كتبت باتريسيا عازار في صحيفة “الجمهورية”:
نفذّت منظمة «كير» الدولية عملية تأهيل شملت 2050 منزلاً في مناطق مختلفة من طرابلس، ما جعلها أكثر صحية، وزودتها المطابخ والحمامات.
لا تعرف الحاجة «فضيلة» كم عمرها. جسدها نحيف ومنحنٍ ووجهها ملؤه التجاعيد، تقول: «أعرف أنني طاعنة في السن وأنّه لم يعد لي أحد!».
تعيش في باب التبانة، منذ ولادتها، تتذكّر أنّها عندما كانت صغيرة جداً، كانت تنام في المكان نفسه الذي يقع فيه منزلها اليوم، في الهواء الطلق، تحت كرمة. عملت مع والديها في الزراعة وفي رعاية قطيع صغير من الأغنام. من ثم جاء أشخاص آخرون وسكنوا الى جانبهم، فكان لا بدّ من بناء منزل، وهذا ما فعله والدها. ومنذ ذلك الحين ظلّ المنزل فقيراً وقديماً، أي من دون مطبخ ولا حمّام.
بُنيَ الحمّام خارج المنزل منذ مدة طويلة، ولدخوله كان عليها في الشتاء والليل عبور الشارع للوصول إلى هناك، حتى عندما يكون الجو بارداً، أو ماطراً. كما تمّ تركيب شبه مطبخ في الخارج، وكانت الحاجة في بعض الأحيان لتفادي البرد، تستحم داخل المنزل، فيمتلئ المكان كله بالمياه.
اليوم، بفضل مشروع مدّته 4 سنوات وضعته في لبنان، المنظمة الدولية غير الحكومية «كير»، أصبح لدى الحاجة فضيلة مرافق صحية جديدة داخل المنزل. كما عولجت أيضاً مشكلة الرطوبة. تعلو وجهها ابتسامة عندما تتحدث عن مدى تبدّل حياتها منذ تركيب المطبخ والحمام داخل منزلها.
درابزين ومصابيح
يهدف مشروع «كير» الى دعم الفئات الأكثر تهميشاً من السكان في شمال لبنان عموماً وطرابلس خصوصاً، إلى إعادة التأهيل الجزئي لـ 2050 مسكناً، وخصوصا العمل في مجال منع تسرّب الماء والصرف الصحي في ثلاث من أفقر مناطق المدينة: باب التبانة، البداوي والمولوية. فالمولوية، منطقة مواجهة لباب التبانة، تقع قرب سفح قلعة «السان جيل» وحي أبو سمرا، وتطل على نهر أبو علي أحد أكثر المناطق تلوثاً في لبنان.
في هذا الحي الفقير جداً، لا تمرّ السيارات، فكل الطرق للمشاة. لا أسفلت، لا رصف، لا كهرباء. الأزقة طينية متعرجة، أشبه بدرج، لا درابزين لها، المنازل ضيّقة، مبنية على تلة تربتها رخوة، تنهار قليلاً في كل شتاء.
وفي سبيل إشراك أفراد المجتمع المحلي في حياة الجوار، أنشأت هيئة «كير» الدولية لجاناً شعبيةً تمّ فيها تشجيع النقاش، وخصوصا لتحديد أولويات الأحياء التي جرى العمل فيها. وقد سمح ذلك لأعضاء المجتمع المحلي بالالتقاء وحشد الطاقات، على أمل الحصول على مبادرات أخرى في وقت لاحق. وإضافة إلى ترميم المنازل في المولوية، قرّرت لجان السكان إعادة تأهيل أحد الأدراج، من خلال إنارته بالمصابيح ووضع درابزين له.
وتقول عضو لجنة الحي الشعبية، ميرنا جاسر( 22 عاماً): «بالنسبة الى الدرج، لم يكن مضاءً ولا درابزين له. في فصل الشتاء، كان الطين في كل مكان، وهذا كان يمنعنا من مغادرة منازلنا. لقد تغيّرت حياتنا بفضل المشروع، لا يزال هناك تلوث نهر أبو علي، الذي يواجهنا مباشرة».
وتشير إلى أنّ «من المحتمل أن يكون تزايد عدد الفئران في الحي بسبب هذا التلوث». وتضيف: «من خلال تعاوننا معاً تمكّنا من تقييم أولوياتنا. لقد رأينا أنّ الدرابزين والمصابيح ستخدم المجتمع المحلي بأكمله. ونود أن تتمّ متابعة المشروع».
جارتها فاطمة خلف، 43 عاماً، وكانت أيضاً عضو في اللجنة، تشير إلى «إنّها حياة مختلفة تماماً، والآن يمكنني إرسال الأطفال إلى أبو سمرا، في السابق كنت أخاف على ابني (13 عاماً) أن ينزلق ويصاب بجروح وكسور. ولقد قامت منظمة «كير» الدولية أيضا بإعادة تأهيل أسطح المنازل، كما الإضاءة وفي الليل هذا أمر مهم جداً، ونأمل في أن تكون لهذا المشروع تتمة».