كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
يوماً بعد يوم، تتّسع دائرة الأزمة لتطاول «قطاعات» جديدة. وكلما اشتدت الأزمة، زادت لائحة من يجدون أنفسهم بلا حولٍ ولا قوة أمام الإجراءات القاسية التي تفرضها تداعيات «التفليسة». من القطاع الاستشفائي وقطاع المواد الغذائية والاستهلاكية، وصلت تداعيات الأزمة إلى القطاع الزراعي، حيث علت الصرخة أخيراً في مواجهة مصرف لبنان والمصارف. وفي هذا الإطار، تعقد جمعية مستوردي وتجار مستلزمات الإنتاج الزراعي واللجنة الزراعية في غرفة التجارة مؤتمراً صحافياً اليوم للحديث عن أزمة «تأثير الدين العام والتدابير المصرفية على القطاع الزراعي في لبنان».
صحيح أن الأزمة التي تضرب هذا القطاع ليست جديدة، في ظل الإهمال اللاحق به منذ سنواتٍ طويلة، إلا أن ما يجعل الأزمة مضاعفة اليوم أنها تطاول المستلزمات الزراعية المستوردة في غالبيتها، ومنها الأسمدة والأدوية الزراعية والبذور. رئيس جمعية مستوردي وتجار مستلزمات الإنتاج الزراعي «asplante» ميشال عقل حذّر من «كارثة»، بعدما كبرت لائحة «الممنوعات» في إجراءات المصارف. فمنذ بداية الأزمة «ممنوع علينا فتح اعتمادات وممنوع علينا تحويل الأموال إلى الخارج». إلى تلك القيود، تضاف أزمة الدولار التي ضاعفت الخسائر في القطاع، إذ أن المستوردين «مجبرون اليوم على تأمين دولارات هي أصلاً غير موجودة». الأزمة تطاول أيضاً التجار المطلوب منهم الدفع بالدولار للمستوردين، لتصل في النهاية إلى المزارعين، وهم الحلقة الأضعف في القطاع.
يشكو المستوردون من تقييد المصارف لحركة تحويل الأموال وفتح الاعتمادات، والتي ترجع، برأيهم، إلى «التكبيل المفروض من مصرف لبنان». يأسف عقل لأن يكون «التعاطي مع القطاع الزراعي بهذا الازدراء»، وأن يصل إلى حدّ «عدم شمول مستلزمات الزراعة وهي أهم قطاع إنتاجي بالتعاميم التي يصدرها مصرف لبنان». لهذا السبب، كانت الصرخة لمطالبة «مصرف لبنان بشمولنا بالتعميم 530 الذي يشمل الدواء والقمح والمحروقات». يعتبر عقل أن هذا الأمر «ليس بالصعب»، وخصوصاً أن ما يحتاج إليه القطاع الزراعي من مستلزمات «يُقدّر بحوالى 140 مليون دولار سنوياً». من دون هذا التسهيل، «سنبقى مكتوفي الأيدي وسيتدهور القطاع أكثر». ففي ظل صعوبة فتح الاعتمادات واستحالتها في أحيانٍ كثيرة، يعتمد القطاع الزراعي في مستلزماته على الـ«ستوك» والقليل القليل مما يجري استيراده. لكن، ثمة نهاية لـ«الستوك»، يقدّرها عقل بما بين «3 إلى 4 أشهر». وفي ما لو حدثت هذه الكارثة، فمن المتوقع أن تجرجر معها أزمات أخرى، منها «إقفال الكثير من الشركات وصرف الموظفين وضرب ما بقي من موسم الزراعة».
إلى الآن، لا حلول. وهذا ما يجعل الواقع «تعبان»، بحسب عقل. وفي هذا الشقّ من الأزمة، يمكن الحديث عن البطاطا، فهذه الأخيرة جلّ بذورها مستوردة وتُقدّر بحوالى 25 ألف طن. بحسب التقديرات، لم يدخل إلى لبنان حتى اليوم أكثر من ثلاثة آلاف طن. وحتى المواسم التي يبدأ في هذه الفترة «حصادها»، وخصوصاً في عكار والبقاع، لا يبدو أن إنتاجها سيكون كما الأعوام التي سبقت. وبحسب عقل أن من زرع اليوم، لم يزرع الكمية المطلوبة أو تلك التي كان يزرعها.
فقد «زرعنا من 25 إلى 30%»، عدا «البدار» البلدي. لكن، هذا الأخير لا يُعوّل عليه، لكونه غير منتج، إذ أن «الطن يعطي طنّاً فقط». بقي موسمان، هما «البطاطا المحيّرة واللقيسة». كما البطاطا، كذلك الخضار والفاكهة و«الحبل ع الجرار». وبحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين، أنطوان الحويّك، إن لم يتم استدراك الأمر «فنحن مقبلون على الأسوأ».
صحيح أن مشكلة المستوردين والمزارعين واحدة، وهي تعذّر الحصول على المستلزمات الزراعية، إلا أن للمزارعين جزءاً يتحملونه دون سواهم. فهؤلاء يشترون معدّاتهم «بالدّين» ويدفعون «إلى الشركات على المواسم»، واليوم مع الأزمة، باتت الخسارة مضاعفة: عليهم تسديد الديون وشراء المستلزمات الجديدة «بالدولار حصراً» وبأسعار عالية، على ما يقول الحويك. هذا الواقع دفع بالمزارعين إلى خفض المساحات المزروعة، والتي لم تتخطّ هذا العام الـ«40% من السنوات العادية». وضمن الخيارات «التقشّفية»، يستبعد الكثير من المزارعين «الزراعات المكلفة من خلال خفض مساحاتها أو استبدالها بزراعات أخرى». مع ذلك، ثمّة أمل بإنقاذ المواسم القادمة، بحسب الحويك، إذ «ما زلنا اليوم ضمن فترة الاستلحاق، ولكن الشرط هو تخفيف الإجراءات المصرفية»، وإلا فإن «لحظة الانفجار» التي يتوقعها المزارعون والمستوردون، ستكون مع «موسم حزيران».