صحيح ان الثورة التي اندلعت في 17 تشرين الاول الماضي لا قائد او رأسا مديرا لها. الا ان المنتفضين من كل المناطق والملل والاطياف، أجمعوا منذ لحظة نزولهم الى الشارع، على المطالبة بثلاثة عناوين، رأوا انها ضرورية لاخراج لبنان من المأزق الذي أوصلتهم اليه القوى السياسية التي تناوبت على الحكم منذ التسعينيات: استقالة الحكومة، تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، العمل على استعادة الاموال المنهوبة واجراء انتخابات نيابية مبكرة. تحت ضغط الشارع، تحقق الهدف الاول واستقال الرئيس سعد الحريري، مخالفا رغبة شركائه في الحكم وعلى رأسهم “حزب الله” والتيار الوطني الحر. ومنذ ذلك الحين، تُعاند الاطراف السياسية، وترمي العصي امام تحقيق كل مطالب الشارع. هي شكّلت حكومة لا تلتقي وما ينادون به فجاءت على شكل سياسيين بقناع اختصاصيين ومن لون سياسي واحد، كما ان السلطة – وبشهادة نواب- لا تبذل الجهد اللازم للتحقيق في الاموال التي سرّبت من البلاد وتم نقلها الى الخارج. أما مسألة الانتخابات النيابية المبكرة، فليست محل ترحيب لدى القوى السياسية كلّها، -او لنقل- معظمها، بل على العكس!
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، تخشى الاحزاب اليوم هذا الاستحقاق. من هنا، هربت حكومة حسان دياب من إجرائها، من باب “البحث في قانون انتخابي جديد”، الكفيل بإبعاد الانتخابات المطلوبة شهورا او سنوات! المصادر تشير الى ان خوف السلطة مبرر ومفهوم. فالانتخابات، حتى ولو تمت على القانون الحالي، على علّاته، ستفقد القوى الكبرى، عددا لا بأس به من النواب، وستُفتح مداخل ساحة النجمة لرياح التغيير “الثورية” التي لفحت في الاسابيع الماضية مثلا نقابة المحامين.
هذا تماما ما تخشاه السلطة. أبرز المتضررين من الانتخابات المبكرة سيكون الثنائي الشيعي. فهو سيفقد حكما عددا من نوابه لا سيما في الجنوب والبقاع، بعد ان اشتد في هذه المناطق، في الاشهر الماضية، عود “النَفَس” التغييري، وقد برز جليا في النبطية وصور وكفرمان وبعلبك (…) جبهة التيار الوطني الحر-لبنان القوي بدورها، ستتشظى. فخروج عدد من النواب من عباءة التكتل في الآونة الاخيرة، يعكس بحدّ ذاته، تبدّلا اصاب البيئة التي كانت مؤيدة للتيار الوطني، منذ 17 تشرين، سيظهر حكما في صناديق الاقتراع. واذ تلفت الى ان القوى كلها ستتأثر ولو بنسب متفاوتة، تقول المصادر ان من المؤكد ان انتخابات مبكرة، وفق اي قانون، ستُدخل نوابا جددا “مستقلين” الى البرلمان، يعتنقون مبادئ الثورة وروحيتها. هذا يعني “عمليا” ان الاغلبية النيابية ستتغير. بمعنى أوضح، سيفقد حزب الله سيطرته على البرلمان وتاليا على الحياة السياسية في لبنان.
من هنا، يمكن فهم ممانعة التحالف الحاكم لاي توجّه من هذا القبيل. ففي رأيه، المجلس الحالي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل، وتاليا لا يمكن تركه “يفلت من يديه”، لأنه قد يقود الى نتيجة لا يريدها لا الحزب ولا التيار الوطني الحر في الاستحقاق الرئاسي، كما ان لا تناسب ايران في هذا التوقيت الاقليمي الحساس، خسارة ورقة لبنان! في المقابل، تغيير المعادلة في البرلمان، يفرض ايقاع عمل جديدا في الدولة، وفك قبضة احزاب 8 آذار على مجلس النواب وعلى السياسة اللبنانية استطرادا، يشكل اشارة ايجابية للمجتمع الدولي، العربي والغربي، تحفّزه على تحريك قنوات التعاون مع بيروت على الصعد كافة، من جديد… ما يعني ان هذا الاستحقاق خشبة خلاص حقيقية للبنان. لكن للأسف، المصالح الفئوية والحزبية أقوى حتى الساعة، تختم المصادر.