على قاعدة “خير الكلام ما قلّ ودلّ”، اطل السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على المشهد الداخلي للمرّة الاولى منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الاول بموقف لا يخرج عن اللغة الدبلوماسية ولا عن الموقف السعودي المُعتاد من حيث تأكيد “حرص المملكة على امن لبنان وسلامته واستقراره ووقوفها الى جانب اللبنانيين جميعاً ومؤسساتهم والمحافظة على تعزيز العلاقة بين البلدين الشقيقين في المجالات كافة”.
غير ان الابرز في هذه الاطلالة اللافتة في توقيتها قبل ايام على جلسة منح الثقة لحكومة الرئيس حسان دياب التي لم تُعطِ السعودية رأيها في شانها-وهو ما عكسه تصريح البخاري الذي خلا من كلمة “حكومة” او حتى الاشارة الى الاستحقاق الوزاري الذي تمّ، انها اتت من على منبر دار الفتوى تحديداً. ولم يعد سرّاً القول ان “الدار” “مستاءة” من طريقة تكليف الرئيس دياب غير المُطابقة لمواصفات الميثاقية وهي التي حسمت موقفها الحكومي منذ استقالة الرئيس سعد الحريري باعلان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على لسان المرشّح سمير الخطيب عند انسحابه من السباق الرئاسي “التوافق على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة كنتيجة للقاءات والمشاورات مع ابناء الطائفة الاسلامية”.
وفي وقت يعوّل اهل السلطة على مرحلة ما بعد استحقاق الثقة لتبيان الخيط الابيض من الاسود في مواقف دول عدة ابرزها السعودية تجاه حكومة “اللون الواحد” مهما حاول صانعوها تجميل صورتها، لا يبدو ان الرياض من الدول التي تنتظر استحقاق جلسة الثقة لمعرفة سطور البيان الوزاري، لان المكتوب يُقرأ من عنوانه.
على قاعدة هذا المثل، تنقل مصادر مطّلعة على اجواء لقاء البخاري ومفتي الجمهورية لـ”المركزية” “عدم رضى سعودي عن مسار الامور في لبنان، ليس في هذه المرحلة وانما منذ انطلاقة العهد”.
فالمملكة التي رحّبت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية من ضمن تسوية سياسية كان الرئيس الحريري طرفها الثاني، كانت تُراهن على الرئيس عون ليُرسي حُكماً متوازناً بين الدولة ومؤسساتها من جهة وحزب الله من جهة ثانية، وان يجعل لبنان في الوسط لا مع محور دون اخر. لكن تبيّن بعد ممارسة ثلاث سنوات ان ميزان عهده “طابش” لمصلحة محور ايران على حساب لبنان الدولة والمؤسسات.
من هنا، بدأت السعودية وفق المصادر تبتعد عن المشهد اللبناني بعدما لمست ممارسات تصبّ جميعها لصالح “تغريب” لبنان الدولة عن محيطه العربي والمجتمع الدولي، وهي الان في مرحلة انكفاء وصمت ومراقبة لتطورات الاوضاع الداخلية في لبنان من دون حتى ابداء الرأي في شأنها”.
ولعل اكثر ما يُثير امتعاض السعودية من ممارسات العهد وحلفائه وفق المصادر انه لم يُبادر الى اتّخاذ اجراءات بحق “اعداء” المملكة الموجودين في لبنان مثل تلفزيون “المسيرة” التابع للحوثيين ومركزه الضاحية وتلفزيون “النبأ” ايضاً، حيث تحوّل لبنان الى منصة اعلامية لشتم المملكة وقادتها دون ان يتخذ العهد ولو اجراءً بسيطاً بحق هذه القنوات للكفّ عن مهاجمة المملكة انطلاقاً من سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة”.
ولم تغفل المصادر الاشارة الى خطوة السفارة السعودية منذ ايام بتخفيض عدد موظفيها في لبنان في رسالة ارادت من خلالها التعبير عن رأيها بالمستجدات منذ تشكيل حكومة الرئيس دياب. فالمملكة وان كان لديها بعض “الملاحظات” على طريقة اداء الرئيس الحريري في السلطة في السنوات الثلاث من عمر العهد، الا انها تعتبر وجوده على رأس السلطة الثالثة هو حدّ ادنى من التوازن مع السلطتين الاولى والثانية، لكن مع خروجه من الحكم اختلّ هذا التوازن لمصلحة فريق العهد وحليفه حزب الله فكان من الضروري تخفيض عديد السلك الدبلوماسي في السفارة كرسالة سياسية لا تحتاج الى منجّمين لتفسير معانيها”. واستبعدت المصادر “ان يُحدد للرئيس دياب اي موعد في السعودية من ضمن الجولة العربية التي يعتزم القيام بها”.