كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
الحركة “زيرو”.. بهاتين الكلمتين اختصر أحد الموظفين في محل 2F للملابس في شارع عزمي كل الحكاية. إذ دخلت الأزمة الإقتصادية في طرابلس ومناطق الشمال منحى آخر، أصبحت معها إمكانية بقاء المحلات التجارية والمؤسسات ثابتة على رجليها في شوارع طرابلس وأسواقها، أمراً دونه مصاعب كثيرة.
ولم يعد الحديث عن إمكان إقفال محلات ومؤسسات لأبوابها بشكل نهائي أمراً من باب التخمين أو التوقعات كما كان يحصل في السابق، بل بات واقعاً تعيشه أسواق طرابلس، وكل أسبوع ثمة محل أو متجر يقفل أبوابه بشكل نهائي.
من منّا في الشمال لا يعرف شوارع عزمي وقاديشا ونديم الجسر. فهي الأعرق في عالم الملابس كما في تاريخ طرابلس واقتصادها. تضمّ أهمّ المحلات و”الماركات”، وإليها كانت تلجأ الشخصيات والشباب والشابات، لتلبس أجمل الملابس وأفخمها. من يمر اليوم في هذه الشوارع المحاذية لبعضها البعض، يدرك من الجولة الأولى أن هذه ليست طرابلس التي كنا نعرفها. محلات عريقة أقفلت وأخرى تفتح أبوابها كالمعتاد عند كل صباح مع افتتاح السوق، ولكنها تفتح لتفتح والحركة “لا شيء”.
شارع نديم الجسر
في شارع نديم الجسر أقفل محل PROMOD العريق ذائع الصيت الذي كانت له زبائنه من مختلف المناطق، وأزيل الإسم عن الواجهة وأصبح من الماضي. أما محل JENNIFER وهو الآخر مقفل وعبارة التنزيلات ما زالت ملصقة على أبوابه، وكما قال أحد أصحاب المحلات في شارع نديم الجسر أنه “سيعاود الافتتاح ريثما يؤمن بضاعة للموسم المقبل”.. ولدى سؤالنا لجيران المحلَّين اعتبروا “أنها تقفل بسبب الأوضاع الإقتصادية من دون شك والتي تمر بها طرابلس والشمال ولبنان بشكل عام ولا تخفى على أحد، والتي لم تعد تشجّع على الإستثمار”.
وإذا كان بعض أصحاب المحلات اعتبروا أنها “مجرد ماركة عالمية تقفل لتفتح مكانها ربما ماركة أخرى”، إلا أن عبارات الـ SALE والحسومات حتى 70 %، وعبارة “الطقم والقميص والكرافات بـ 300 ألف بدل 600 ألف”، التي لا تخلو منها واجهة محل في شارع نديم الجسر، أو في عزمي وقاديشا، والتي يقابلها زبون واحد أو لا أحد في داخل هذه المحلات، فكلها أدوات جذب ودعاية لم تفلح في جلب الزبائن التي افتقدتها هذه الأسواق، ما يؤكد أنّ “الأوضاع ليست على ما يُرام”.
شارع قاديشا
من نديم الجسر إلى شارع قاديشا، هنا حركة البيع شبه معدومة، وبين المحل والثاني هناك محل قد أقفل، ووضع على بابه “برسم الإيجار أو برسم الإستثمار”، أي أنه كان مفتوحاً ثم أقفل. تقول غنوة فوال وهي صاحبة محل “إنستافاشن” لـ”نداء الوطن”: “الحركة من سيئ إلى أسوأ في هذا الشارع. نحن نفتح منذ الصباح حتى المساء ولا نبيع قطعة. الوضع باختصار دمار. هناك بجانب محلي هذا محلان للثياب أقفلا قبل فترة ومن تبقّى يعاند ويُكابر، ولكن إلى متى؟”.
أسباب الأزمة وظروفها
أما في أسباب ما آلت إليه أوضاع أسواق طرابلس والتي ما كادت تتعافى مع توقف جولات العنف والقتال، حتى أتتها هذه الأزمة، فإنها، وكما يؤكد أكثرية التجّار، “هي بفعل الإرتفاع الحاصل في الدولار مقابل الليرة والقيود الصعبة التي تفرضها المصارف في السحب، على المواطنين كما على التجّار، وموجة الغلاء التي تشهدها البلاد، فإن التجار لم يعودوا قادرين على تأمين بضائع حسب المواسم، نتيجة انعدام السيولة، كما أن الزبون الذي تراجعت قدرته الشرائية إلى أكثر من 40 %، صار يفضّل أن يصرف ما لديه على أساسيات الأساسيات لأن إمكانية الترف التي كانت ممكنة قبل سنة أو سنتين أصبحت شيئاً من الماضي اليوم”.
أما محلات LCWAIKIKI وهي ماركة عالمية إفتتحت حديثاً في بحصاص- طرابلس وبعد الشائعات التي انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة وتقول بأنها ستقفل نهاية هذا الشهر، فإن إدارتها نفت لـ”نداء الوطن” هذا الأمر وقالت: “ليس هناك توجه إلى الإقفال، إنما هناك تأخر في تأمين بضاعة للموسم الجديد والتي من المفترض أن تصل في شهر آذار المقبل كما أبلغنا، حالياً نبيع البضاعة الصيفية أو الربيعية من الستوك بانتظار وصول بضائع الموسم الجديد”.. على أن هناك العديد من المحلات تحاول اليوم تمرير الوقت بعرض بضائع من مخزون سنوات سابقة أو حتى من موسمي الصيف أو الربيع الماضيين، بانتظار حصول أمر ما يعيد العجلة الإقتصادية إلى سابق عهدها، وإلا فإنه كما ختمت غنوة الفوال حديثها لـ”نداء الوطن”: “المصير صار محتوماً ولكن إلى متى باستطاعتنا الصمود؟”.