Site icon IMLebanon

المعلوم والمَخفي في ملف كهرباء لبنان

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء الكويتية:

من دون التدقيق في الأرقام، أو التفتيش عن المعلومات، يمكن لأي متابع أن يلاحظ وجود اختلال كبير وتناقض واضح يحيطان بملف الكهرباء في لبنان، وفي الملف شيء معلوم ومن المؤكد أن فيه شيء مخفيا وأسراره محيرة.

ومنذ ما يقارب ربع قرن يكثر الحديث عن وضع خطط لتأمين التيار الكهربائي في لبنان 24/24 ساعة، وقد تضمنت البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة كل الاقتراحات لحل الأزمة، كما وافقت الحكومة على خطة الوزير جبران باسيل في العام 2010 ورصدت لها 1800 مليار ليرة، ولكن حتى الآن كل ما قيل كان حبرا على ورق، والكهرباء في لبنان في وضع مزر، ولا يغذي التيار الكهربائي الذي تنتجه مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 50% من حاجة اللبنانيين، ويغطى الباقي عن طريق المولدات الخاصة وبكلفة عالية، برغم أن القانون رقم 462/2002 يعطي حصرية الإنتاج للدولة فقط.

وما حصل على المستوى السياسي والحكومي في ملف الكهرباء مثير، أو مستغرب، فقد أقيل 3 وزراء للطاقة وأبعدوا عن العمل السياسي هم الراحل جورج فرام ومحمد عبدالحميد بيضون ومحمود أبوحمدان، واغتيل وزير رابع هو ايلي حبيقة، وتعرض كثيرون غيرهم للتهديد من جراء تناولهم للملف.

ومنذ مشاركة التيار الوطني الحر بالحكومة وبعد تفاهمه مع حزب الله في مارمخايل عام 2006 حتى اليوم، يشترط التيار أن يتولى وزارة الطاقة التي تشرف على ملف الكهرباء دون غيره، وهذا المطلب كان سببا رئيسيا في تأخير تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين مع الرئيس فؤاد السنيورة ومع الرئيس سعد الحريري ومع الرئيس نجيب ميقاتي ومع الرئيس تمام سلام، وبالفعل فقد تولى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الوزارة لدورتين، وخلفه مساعدوه حتى يومنا هذا.

ووضع الكهرباء مازال على ذات الحال من التردي.

ما يثير الريبة والشكوك اليوم، أن توترا سياسيا كبيرا يعقب أي تناول لملف الكهرباء في الإعلام، فيلجأ نواب ووزراء التيار الوطني الحر الى كيل الشتائم والاتهامات بحق الذين يتحدثون عن خلل فيه، وآخر هذه الحملات المنظورة نالت من الرئيس سعد الحريري الذي خرج عن صمته وقال ان ملف الكهرباء كلف الدولة 40 مليار دولار – أي نصف الدين العام – منذ العام 2005، وكذلك ضد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي غمز من قناة بواخر التوليد التركية التي استأجرتها وزارة الطاقة لمدة سنة واحدة ريثما يتحقق وعد الوزير جبران باسيل بتأمين الكهرباء بشكل دائم في العام 2014، وما زالت هذه البواخر راسية قبالة الشواطئ اللبنانية على حساب الدولة، وتكلف مبالغ طائلة، وقال جنبلاط إن البواخر ربما أصبحت ملكا للذين يتولون الإشراف على القطاع وشركائهم، ولم تعد ملكيتها للشركات التركية.

والتوتر ذاته حصل ضد نواب القوات اللبنانية الذين قدموا وثائق دامغة عن الهدر في التلزيمات.

هذا بعض المعلوم من ملف الكهرباء الغامض في لبنان. أما المخفي وغير المعلوم منه، فيبدو أنه كبير جدا. وهو يثير أسئلة متعددة ظهرت على لسان الطيبين من كوادر الانتفاضة الشعبية العارمة منذ 17 أكتوبر الماضي رغم محاولات التضليل من قبل المندسين فيها، كما أثار هذه الأسئلة الخبراء والمختصون المحليون والدوليون.

ووصل الأمر الى حد اتهام القيمين على قطاع الكهرباء بصرف نصف كميات الفيول المستوردة لمعامل التوليد على تشغيلها وتهريب وبيع نصفها الآخر، ولم تلق هذه التساؤلات أجوبة مقنعة، بما في ذلك السؤال الذي قدم للحكومة بواسطة مجلس النواب.

وأخيرا فإن البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب لم يتطرق لاستئجار البواخر، ولا لكيفية وقف النزيف لمالية الدولة عن طريق هذا القطاع، وهذا النزيف يعتبر مسؤولا عن غالبية الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل في لبنان.