Site icon IMLebanon

هدر الأموال في “التربية”: مليونا يورو لدورة تدريبية!

كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:

دفعت وزارة التربية مليوني يورو للجامعة اليسوعية مقابل تنظيم دورة تدريبية لـ 200 مرشد تربوي في 12 يوماً بدلاً من الماستر! المبلغ يندرج ضمن قرض وهبتين بقيمة 204 ملايين دولار من البنك الدولي لمشروع دعم القطاع التربوي S2R2. أُنفِق هذا المبلغ على رغم الجدل حول قانونية جهاز الإرشاد والتوجيه، ومن دون أن تفاوض الوزارة المؤسسات المانحة والمُقرضة في شأن محدّدات الصرف التي تراعي الحاجات الأكثر إلحاحاً لمدرسة رسمية شهدت وستشهد إقبالاً شديداً بسبب الأوضاع الاقتصادية

لا أولويات للإنفاق على التعليم في لبنان. ثمة هبات وقروض تأتي من منظمات دولية إلى وزارة التربية ولا تخضع لرقابة أي من ديوان المحاسبة أو التفتيش المركزي، وتُصرف في مجالات لا منفعة منها، فيما تواجه المدرسة الرسمية مصيرها بصناديق فارغة وأبنية وتجهيزات مهترئة ومقاعد دراسية عمرها 30 عاماً. باستثناء صناديق المدارس التي تتقاضى بدلات مقابل تدريس التلامذة السوريين في دوام بعد الظهر، تعاني الصناديق الأخرى من أزمة مالية حادّة سببها تأخر الوزارة في دفع المستحقات المتوجبة عليها مثل رسوم التسجيل ورسوم مجالس الأهل. ومقابل إقرار مجانية التعليم ومنع المدارس من استيفاء الرسوم من الأهالي، تتحمل الصناديق مصارفات كثيرة، فيما تحول المديرون إلى متسوّلين يقصدون أبواب البلديات والمتمولين ويراضون خواطر الدائنين ويسترضون أصحاب الحقوق من عمال وغيرهم، ولا سيما أن الصناديق باتت تغطي أيضاً أجور المعلمين المتعاقدين بسبب إقفال باب التعاقد.

عندما رُصد مبلغ مليوني يورو لمديرية الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية من مشروع دعم القطاع التربوي S2R2 المموّل من البنك الدولي، كان الهدف منح المرشدين شهادة ماستر بالإرشاد التربوي من الجامعة اليسوعية، وليس تمويل دورة تدريبية استغرقت 12 يوماً فقط وقيل للمتدربين إنها توازي 25 رصيداًَ تعليمياً! المفارقة أن المبلغ لم يكن يتيماً. فقد رصد المشروع مبلغ 540 ألف دولار بدل زيارات ونقل للمرشدين الذين يتابعون تعليم النازحين السوريين في مدارس بعد الظهر، ومليون دولار تقاضاها الجهاز من منظمة اليونيسف وحدها. إلى ذلك يتولى المركز الثقافي الفرنسي تنظيم دورات باللغة الفرنسية للمرشدين في حين أن الأولوية كانت، بحسب مصادر الأساتذة الثانويين الملحقين بجهاز الإرشاد والتوجيه، لتدريب الأساتذة وليس المرشدين، بالنظر إلى أن اللغة الأجنبية هي مؤشر واضح لتراجع مستوى طلاب المدرسة الرسمية بالمقارنة مع مستوى طلاب المدرسة الخاصة، ويتجلى ذلك في نتائج الامتحانات الرسمية.

وكان 200 مرشد من أساتذة المواد العلمية في التعليم الثانوي الرسمي أنهوا، أخيراً، المرحلة الأولى للدورة على أن يُستكمل المشروع بدورة ثانية لمجموعة ثانية من المرشدين خلال 12 يوماً أخرى في آذار ونيسان وأيار المقبلة.

وقد وقع خيار اللجوء إلى الجامعة اليسوعية بعدما رفضت إدارة الجامعة اللبنانية استحداث شهادة ماستر في الإرشاد في كلية التربية ومنحها لأعضاء جهاز غير مقونن.

وبما أن المادة 10 من المرسوم 3252 تاريخ 17/5/1972 تنصّ على أن المرشدين التربويين يخضعون قبل مباشرتهم العمل لدورة إعدادية مدتها سنة على الأقل، فإن مصادر الأساتذة سألت كيف سيتم صرف مال لتدريب أساتذة مشكوك في وضعهم القانوني، وقد لا يبقى أحد منهم بعد صدور قانون يحدد آلية الدخول إلى الإرشاد وملاكه الوظيفي وعدد العاملين فيه، وكيف يمكن أن يخضعوا لدورة تدريبية ولم يصبحوا مرشدين بحسب القانون؟ فيما لا يوجد نص قانوني يحدد ماستر للمرشد.

تستغرب المصادر كيف أن دورة من 12 يوماً تخوّل المرشد الحصول على دبلوم تدريبي، علماً أنّ أي دبلوم قانوني يتطلب أرصدة ورسالة أو مشروعاً يحضر في نهايته.

لا تجد مصادر الأساتذة في المشروع سوى مزيد من هدر الوقت والطاقات والتنفيع لأساتذة الجامعة الخاصة ومن دون أي تغذية راجعة بشأن الجدوى التربوية من التدريب، وخصوصاً أنه لم تجر دراسة حول ملاءمة مناهج الجامعة للواقع الاستثنائي للمدرسة الرسمية. وتوضح أنّ للمرشد ثلاث وظائف، الأولى مطابقة المسابقات والاختبارات مع التوصيف وهذا أمر تقني معلوم للجميع، والثانية مطابقة محتوى المادة التي يعطيها الأستاذ مع المنهج وهذا أمر له علاقة بالبنية المعرفية للمرشد أي بمادة الاختصاص ولا علاقة له بالإرشاد، وتوجيه نصائح إلى المعلم حول طرق التدريس، سائلة ما إذا كانت هذه الوظائف تتطلب دورة لكي يكتسب المرشد المهارات المطلوبة مع الخبرة العملية؟

المصادر تدعو إلى تشريع وقوننة الإرشاد قبل صرف أي مبلغ قد يصبح هدراً لا منفعة منه، أي وضع الحصان في مقدمة العربة وليس العكس، ومن ثم إعادة تأهيل المرشدين وتدريبهم وفقاً لآلية قانونية تحفظ حقوقهم، و«إلاّ فإنّ أغلب المرشدين سيعودون إلى الالتحاق بالثانويات، وتكملة نصابهم القانوني في ظل عدم الاستفادة المادية أو المعنوية من بدل زيارة أو نقل أو تفرّغ في الإرشاد، إضافة إلى ردة الفعل من الثانويات والمركز التربوي والتفتيش واعتبارهم غير قانونيين».

تُبدي المصادر تخوفها من عدم اتخاذ قرار وطني، منعاً لأي نوع من أنواع الهيمنة والتطبيع التربوي على مبدأ من يدفع يأمر، فيكون ظاهرياً تمويلاً داعماً للقطاع التربوي، وضمنياً تمويلاً مشروطًا يتعارض حيناً مع الأنظمة والقوانين اللبنانية وحيناً آخر مع الأهداف والأولويات والحاجات الوطنية.

ما يطلبه الأساتذة هو إعادة النظر في إنفاق الأموال في مكانها الصحيح في الثانويات والمدارس، وأن لا تكون الأخيرة مصدراً للهدر أو التنفيع لمشاريع تدريبية غير ذات جدوى، إلا بعد أخذ رأي ديوان المحاسبة والمراقب المالي في وزارة المال والتفتيش المالي والتربوي.