كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
«ما حدا مشردَق» بحكومة الرئيس حسان دياب، حتى الذين يعتبرون أنفسهم أنهم «أمّها وأبوها» أو «عرّابوها»، فكيف بالذين يعارضونها منذ ما قبل تأليفها وبعد التأليف. فكل ما في الامر انّ الاوضاع الخطيرة التي تعيشها البلاد تفرض وجود حكومة، أيّاً كانت حالها والمواصفات، يقول قطب سياسي، معلّقاً على الواقع السائد، وما يُثار حول هذه الحكومة.
هناك «وَهْوَلة» كثيرة في البلاد حول الاوضاع الاقتصادية والمالية، يؤكد هذا القطب، مضيفاً انّ الذين افتعلوا الأزمة وسعّروها وما زالوا يسعِّرون، يدركون انّ هناك حدوداً لفعلتهم لا يمكنهم تخطّيها، إذ لا يمكنهم ان يتحمّلوا «انفراط» البلد بين أيديهم وهم لهم فيه من المصالح ما تتخطّى حدوده أيضاً يمكن اي انهيار لبناني أن يطيح بها. ولذلك هم رسموا حدوداً للعبتهم لن يتجاوزوها حفاظاً على مصالحهم، وهذه الحدود يعرفها خصومهم جيداً وهم ينتظرون وصولهم إليها في وقت ليس ببعيد…
لم يدرك أحد بعد الكَنه الحقيقي المواقف العربية والدولية المتريّثة في تحديد خيارات التعاطي مع حكومة دياب، على رغم ما قيل من انّ توافقاً حصل في الفضاء الاقليمي والدولي بين القوى الكبرى المؤثرة هو الذي أفرجَ عن الاستحقاق الحكومي اللبناني تكليفاً وتأليفاً. ولكن رغم هذا الواقع الانتظاري فإنّ البعض من قوى سياسية وسياسيين معنيين يُبدي بعض «الظنّ الحَسن» بدياب، ويتوقع له أن ينجح وحكومته في تحقيق إنجازات من شأنها أن تلجم مسار الانهيار أو على الاقل تعيد البلاد الى جادة الهدوء والمناخات التي تؤسس لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية بلبنان دولة ومؤسسات.
لكنّ مضامين البيان الوزاري للحكومة تبدو مقبولة في أوساط، ومنتقدة في اوساط اخرى، لأنّ مقاربته لمعالجة بعض الازمات الكبرى مثل الأزمتين الكهربائية والاقتصادية ـ المالية تكاد تكون إنشائية ولا تبعث على التفاؤل في إمكان تحقيق المعالجات الجادة لهاتين الازمتين على الأقل، فمقاربة ملف الكهرباء الذي يستنزف مالية الدولة منذ نحو 30 عاماً ويُراكم سنوياً العجز في موازنة الدولة، لم تختلف عن مقاربة الحكومة السابقة وما قبلها. أمّا مقاربة البيان للأزمة المالية فيرى البعض انها تخدم مصلحة المصارف التي تتحكّم بأموال اللبنانيين من مودعين وموظفين وتعرّضهم للإذلال يومياً على أبوابها، الى درجة انّ شُبهات بدأت تحوم حول إمكان تورّطها في تبديد أموال المودعين لديها.
والى ذلك، يعتقد كثيرون أنّ عمر الحكومة لن يكون طويلاً. أولاً، لأنّ الكيمياء بين رئيسها وبقية المرجعيات الكبرى ليست موجودة، أو هي ضعيفة، فكأنّ الرجل سُمّي بغير رضى هذه المرجعيات التي في لحظة ما، أُريد لها او منها، ان تقبل بتسميته لانعدام البدائل التي يمكن ان تكون أفضل في نظرها، خصوصاً انها كانت منقسمة في الرأي حول الرئيس سعد الحريري بين من يؤيّد عودته وبين من يعارضها لسبب استقالته المفاجئة بعد أيام من انتفاضة 17 تشرين الاول الماضي، ثم لسبب استنكافه بعد الاستقالة عن تلبية رغبتها في ان يعود الى رئاسة الحكومة، ثم قبوله هذه العودة، ليستنكف عنها مجدداً لأسباب واعتبارات ما يزال بعضها معلوماً والبعض الآخر مجهولاً حتى الآن.
ولكن في عمق مواقف بعض المرجعيات والقوى السياسية ما يدفع الى التوقع، بل الاستنتاج، انّ تمهيد الساحة للإتيان برئيس آخر لحكومة أخرى قد بدأ منذ عودة الرئيس سعد الحريري من سفرته الأخيرة التي قيل عنها إنه أمضاها بين باريس والرياض التي يقال انه يزورها هذه الايام، علماً انّ الخيارات في موضوع رئاسة الحكومة ما تزال مفتوحة امام آخرين على رغم حماسة البعض لعودة الحريري، ما يؤكد انّ حكومة دياب ستكون على الأرجح لمرحلة انتقالية قد لا تتجاوز الثلاثة الى أربعة اشهر، على رغم انّ البعض بدأ يطرح علامات استفهام حول إمكانية نيلها الثقة على أساس بيانها الوزاري الذي يتضمن في رأي بعض النواب عدداً من البنود التي تفوق قدرتها على تنفيذها، ولاسيما منها ما يتعلق باستعادة الاموال المنهوبة، وحفض العجز في ميزان المدفوعات وغيره…
على انّ بعض النواب يقولون انه فيما المطلوب إعادة هيكلة الدين العام لا جَدولته والتأسيس لمعالجة فعّالة لأزمة المالية، فإنّ دياب يتجه الى سداد استحقاق آذار المقبل من «اليوروبوند»، اعتقاداً منه انّ هذا الامر يكسب لبنان الثقة الخارجية في انه دولة مليئة وليست مُفلسة ما تزال قادرة على الايفاء بالتزاماتها المالية، لكنّ مصلحة البلد، في رأي هؤلاء النواب، تفرض في الظروف الراهنة ان يتم تأجيل هذا الاستحقاق وربما الاستحقاق الآخر في الصيف المقبل، وذلك من أجل الحفاظ على الاحتياط المالي من العملات الصعبة لتمكين الدولة من الاستمرار في الانفاق في المجالات الحيوية بالنسبة الى حياة اللبنانيين وتعزيز هذا الاحتياط بما يمنع الانهيار ويؤمّن تماسك البلاد مالياً الى حين توافر المعالجات الفعلية، سواء عبر ما يمكن أن تحصل عليه الدولة من ودائع ومساعدات عربية واجنبية، او من خلال مؤتمر «سيدر» وغيره.
وأكثر من ذلك، يقول هؤلاء النواب انّ المطلوب مالياً هو الحفاظ على موجودات خزينة الدولة وزيادتها لا تفريغها للإيفاء باستحقاقات قابلة للتأجيل برضى المَدينين الذين يدركون أكثر من غيرهم حراجة المرحلة التي يمر بها لبنان، ويعرفون حقيقة ما آلت اليه اوضاعه الاقتصادية والمالية ولا يحبّذون انهياره.
غير انّ اخطر ما يهدد البلاد، هو «أجواء التفتيت» التي تسودها نتيجة المضاعفات اليومية للأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على معيشة الناس، ما يفرض وجود مرجعية تستطيع ان تجمع اللبنانيين. ولكن هذه المرجعية غير موجودة، في وقت ثبت انّ رئاسة الجمهورية لا تستطيع ان تؤدي هذا الدور لاعتبارات كثيرة، منها توريطها في ان تكون طرفاً في المحاصصات في التعيينات وتأليف الحكومات وفي اللعبة السياسية الداخلية، وعدم تمكينها من لعب دور الحَكَم بين الأفرقاء السياسيين، فيما كثيرون ينظرون الى الدور الذي يؤدّيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث يؤكد أحد الأقطاب النيابية، انّ الرجل كان ولا يزال في الدور الذي يؤدّيه يشكّل من موقعه على رأس السلطة التشريعية ومرجعيته الرسمية والوطنية الضمان للبلاد ومؤسساتها من التفكّك، على رغم كل الحملات التي يتعرّض لها منذ بداية الحراك في 17 تشرين الاول الماضي وحتى الآن، علماً أنه يدرك انّ البلاد تحتاج الى تعاون الجميع لأنّ اليد الواحدة لا تكفي.