كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
لا شكّ أنّ مجلس المطارنة الموارنة على يقين أنّ الوضع بلغ مراحل متقدّمة من الإنهيار، إلاّ أنه يُصرّ على التمسّك بأمل النجاة خصوصاً أنّ البلاد مرّت سابقاً بمراحل أشدّ صعوبة.
لا يختلف جوهر مناشدات المطارنة من إجتماع إلى آخر، إذ إن الأساس يبقى بالنسبة إليهم المباشرة بتنفيذ خطّة إنقاذية، وعلى رغم تأليف الحكومة الجديدة، إلا أنّ المصادر الكنسية تُشدّد على أنّ هذا الأمر غير كافٍ، بل إنّ العبرة في التنفيذ وإثبات الجديّة التي تقنع الداخل والخارج على حدّ سواء.
وتؤكّد المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ المرحلة تتطلّب حالياً الهدوء واستيعاب الصدمة، وبالتالي يجب منح حكومة حسّان دياب فرصة لتثبت إذا كانت جديّة أو لا، ما يتوجّب على الوزراء المباشرة بوضع خطط إصلاحية شاملة.
لكن وسط كل دعوات إعطاء الفرصة، يبقى الحذر سيّد الموقف، إذ إنّ قسماً كبيراً من المطارنة يعتبرون أنّ التجارب السابقة لا تشجّع “وإلا لما كنا وصلنا إلى هذا الوضع، وبالتالي يجب الإستمرار بالضغط الشعبي كي تلبي الحكومة مطالب الناس”.
وتوضح المصادر الكنسيّة أنّ محاولة الإلتفاف على المطالب الشعبية ستزيد من حدّة النقمة، في حين أنّ المطلوب هو الإستجابة لطلبات الناس، وإقناع المجتمع الدولي بجديّة الإصلاحات كي يتم تأمين أموال “سيدر” التي هي ضرورة في عملية الإنقاذ الإقتصادي.
وكان مجلس المطارنة عقد اجتماعه الشهري أمس في بكركي برئاسة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وأثنى المطارنة “على ما رشح عن البيان الوزاري من استعدادات الحكومة لالتزام مطالب اللبنانيين واللبنانيات التي عبروا عنها تكراراً، كما المطالب الوطنية المسؤولة المتعلّقة باحترام قرارات مؤتمر “سيدر” وتوصياته وشروطه، وبمجمل التدابير الإصلاحية بدءاً بالقضاء والمال والاقتصاد والأحوال المعيشية”. وطالبوا الحكومة بوضع تنفيذ البنود الإصلاحية في أولوياتها، ولا سيما في ما يتعلق بالسياسة المالية واستقلالية القضاء. وأكدوا أنّ الكنيسة وضعت في أولويات خدمتها الاجتماعية التخفيف عن كاهل المواطنين. وإنهم إذ يقدرون عمل المؤسسات الكنسية والأبرشيات والرهبانيات في بذل الجهود الكبيرة لمساعدة الشعب، يطلبون منها أن تضاعف التضحيات في هذا المجال.
وأضاف البيان: “الكل يعلم أنّ لبنان يجتاز اليوم أوضاعاً استثنائية خطيرة للغاية، باتت تدق أبواب مصيره بالذات، ومآل المبادئ والقيم التي أرسي عليها ميثاقه الوطني وعيشه المشترك وصيغة حكمه. ما يستلزم أن يتقيّد العمل الوطني والسياسي بوجوب التضامن الشامل والجامع من أجل الإنقاذ. فسياسة المصالح والمحاصصة لا تؤدي إلا الى استنزاف مقدرات الوطن”.
وناشد “أهل السياسة والاقتصاد والفكر والصحافة والإعلام والقانون وضع حد نهائي للخطاب النزاعي العنفي في ما بينهم، فهو يزيد الأحوال العامة اضطراباً وشعبنا قلقاً. وطلبوا منهم الإسهام قولاً وفعلاً في إنهاض لبنان من عثاره”.
وأكد المجلس أنّ “زمننا المر هذا يتطلب ذهنية أخرى في المقاربات للحلول الممكنة والناجعة، بحيث يشعر اللبنانيون واللبنانيات بأن بلادهم سائرة نحو التعافي”.
ولفت المجلس إلى ظاهرة الدعاوى التي يرفعها الحراك المدني أمام المحاكم اللبنانية المختصة من أجل استرداد الأموال المنهوبة ووضع حد للفساد الذي استشرى طيلة عقود. وتوقع مبادرة السلطة القضائية إلى حسن التعاطي مع هذا المسار من إحياء دولة القانون بجدية ومسؤولية وحزم. ودعا أهل السياسة إلى عدم التدخل في الشأن القضائي، إفساحاً في المجال لاستعادة الدولة ثقة المواطنين بها.
واستغرب “المشروع المعروف بـ”صفقة القرن”، من أجل حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والنزاع المتمادي والمزمن في الشرق الأوسط. فما ورد فيه من نصوص تتجاوز قرارات منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولا تقيم وزناً لحقوق الفلسطينيين في الأرض والأمن والسلام، داخل دولة قابلة للحياة ولا لتوق شعوب الشرق الأوسط إلى سلام عادل وشامل وفق قرارات الشرعية الدولية. أبدى المطارنة خشيتهم من أن يؤدي هذا المشروع إلى المزيد من تفاقم الأوضاع الإقليمية، وازدياد مناخات مشجعة لتواصل عدم الاستقرار ولتأجيج التطرف على أنواعه وازدياد الإرهاب”.