IMLebanon

مخاوف لبنانية من تدهور الوضع تحت ضغط الأزمة الاقتصادية

كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:

كشفت مصادر سياسية بارزة أن القيادات الأمنية تتخوف من أن يتدحرج الوضع في لبنان نحو الأسوأ، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها بادرت إلى رفع تقارير في هذا الخصوص إلى من يعنيهم الأمر أكانوا على رأس الدولة أو في الحكومة، وسألت كيف سيتعاطى هؤلاء مع تقاريرها، وهل سيأخذون بها على محمل الجد، ويسعون إلى تدارك المخاطر التي يمكن أن تترتب عليها خصوصاً أنها تهدد «الأمن الاجتماعي» للسواد الأعظم من اللبنانيين في لقمة عيشهم؟

وحذّرت المصادر السياسية من لجوء بعض من يصنّفون أنفسهم على خانة المستشارين لكبار المسؤولين إلى التخفيف من وطأة ما يتربّص بالبلد من مخاطر، والتعامل معها على أنها تهدف إلى توجيه الانتقادات للحكومة الجديدة فيما هي تستعد لإنجاز بيانها الوزاري في جلسة مجلس الوزراء اليوم تمهيداً لمثولها أمام المجلس النيابي طلباً لنيل ثقته.

ولفتت إلى أن على الحكومة أن تبادر فور نيلها ثقة البرلمان إلى إعلان التعبئة القصوى لمواجهة احتمال انزلاق البلد إلى متاهات لا يمكن السيطرة عليها، وقالت إن القوى المعارضة والتي تنتمي إلى «14 آذار سابقاً» لن تسارع إلى إطلاق النار عليها بعدما قرّرت منحها فترة سماح بانتظار تقييم أفعالها، وإن كانت لن تمنحها الثقة. وعزت المصادر نفسها سبب تريُّث قوى المعارضة في إصدار أحكامها إلى أنها تدرك حجم المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي تحاصر الحكومة، وبالتالي لن تعطيها الذرائع التي يمكن لها أن تستخدمها في وجه المعارضة وتحميلها مسؤولية الإخفاق في لجم تدهور الوضع.

وبكلام آخر فإن المعارضة – بحسب هذه المصادر – وإن كانت تحولت إلى معارضات بعد أن انقسمت «قوى 14 آذار» على نفسها، اتخذت قرارها في إعطاء فرصة للحكومة رغم أن علاقتها متدهورة برئيس الجمهورية ميشال عون اعتقاداً منها أنها بموقفها هذا قادرة على إبطال الذرائع التي يمكن أن يتسلّح بها «العهد القوي» لتحميلها مسؤولية إخفاق الحكومة بحجة أنها أعاقت قدرتها على الإنتاج.

كما أن المعارضة وإن كانت تترقب طبيعة الخطة التي يضعها «الحراك الشعبي» في مواجهته للحكومة بدءاً بمثولها أمام البرلمان طلباً لنيل ثقته وصولاً إلى إثبات وجود «الحراك» من خلال تنظيم الاعتصامات والاحتجاجات كرد على رهان بعض أطراف السلطة على أن عامل الوقت سيؤدي إلى إخلائه للساحات، فإن المعارضة في المقابل باتت مضطرة لمراجعة حساباتها لتحدد أين أخطأت وأين أصابت طوال فترات مشاركتها في الحكومة.

وفي هذا السياق يترقب الوسط السياسي ما سيقوله زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في خطابه في 14 فبراير (شباط) لمناسبة مرور 15 عاماً على اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. ويُفترض أن يكون خطابه الذي سيلقيه في هذه المناسبة بمثابة جردة حساب في مخاطبة جمهوره لن تخلو من قيامه بمراجعة نقدية شاملة يحدد فيها بصراحة أين أخطأ وأين أصاب، بدءاً بالظروف السياسية التي كانت وراء تهاوي التسوية التي كان توصَّل إليها مع العماد عون وأسهمت في انتخابه رئيساً للجمهورية من جهة إلى تسلّمه رئاسة الحكومة من جهة ثانية.

وبطبيعة الحال فإن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سيكون الحاضر الأول في المراجعة النقدية للحريري باعتبار أنه من نظّم الانقلاب على التسوية وتولى تعطيل العمل الحكومي وألحق الضرر بعلاقات لبنان العربية والخارجية، كما حال دون تحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية التي تتيح الإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة البلد للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية.
لكن يبقى السؤال: أين رئيس الجمهورية من انقلاب باسيل على هذه التسوية، فهل يجيب عليه الحريري في مصارحته جمهوره؟
وينسحب السؤال أيضاً على علاقة الحريري برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التي تكاد أن تكون مقطوعة على المستوى الشخصي ويسودها جو من التوتر السياسي الذي يعلو حيناً ويخفت في غالب الأحيان مع أن الدعوة وجّهت إلى جعجع لحضور المهرجان.

فهل ستنجح المحاولات غير المرئية لرأب الصدع بينهما الذي بلغ ذروته بعدم تسمية جعجع للحريري لرئاسة الحكومة قبل أن يأخذ قراره بعدم الترشُّح، خصوصا أنهما محكومان بالشراكة لأن «المستقبل» في حاجة إلى شريك مسيحي، والأمر نفسه بالنسبة إلى «القوات» الذي هو في حاجة إلى شريك مسلم، ما دام أن «شهر العسل» انقطع بين «المستقبل» و«التيار الوطني» وهناك استحالة لإعادة الاعتبار له؟
كما لن يغفل الحريري التطرُّق إلى علاقته بـ«الثنائي الشيعي» حركة «أمل» و«حزب الله» التي تمر حالياً في حالة من المساكنة الإيجابية على قاعدة تنظيم الخلاف مع الحزب من خلال الدخول معه في عملية «ربط نزاع» وإن كانت تراوحت في السابق بين هبّة باردة وأخرى ساخنة.

وبالنسبة إلى علاقة الحريري برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فإنها استقرت أخيراً لمصلحة تدعيم تحالفهما وتطويره كما برز من خلال لقاءات التنسيق بين ممثلين عن «التقدّمي» و«المستقبل» انطلاقاً من تأكيدهما على العمل سوياً في أماكن وجودهما.

لذلك، فإن جنبلاط بات الأقدر وحتى إشعار آخر على التواصل مع «المستقبل» من موقع التحالف وأيضاً مع حزبي «القوات» و«الكتائب» في ظل البرودة المسيطرة على علاقة الحريري بجعجع، رغم أن ما يجمع هؤلاء في جبهة سياسية بالمراسلة أمران: الأول مهادنة الحكومة لفترة من الوقت كأساس لاختبار قدرة رئيسها حسان دياب على وقف التدهور الاقتصادي باعتبار أن بيانها الوزاري ما هو إلا للاستهلاك المحلي، وإصدار الحكم النهائي عليها يكمن في قدرتها على مخاطبة المجتمع الدولي وطلبها الحصول على مساعدات لمنع تدحرج الوضع نحو الأسوأ.

وعليه، فإن المعارضة وإن كانت ليست موحدة فهي تتريّث في مواجهة الحكومة من دون أن ينسحب موقفها على رئيس الجمهورية في ظل انقطاع تواصلها معه.