Site icon IMLebanon

“المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”.. ضرب السلطة بـ “شرعيتها”

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

من رحم أزمة النفايات في لبنان صيف العام 2015، إنطلقت شرارة انتفاضة بعض الشرائح على السلطة الحاكمة حينذاك، ما شكل الإرهاصات الأولى لتشكل المجموعات التي عادت وأطلقت ثورة الغضب الكبرى في 17 تشرين الأول 2019، والتي كان من مؤسسيها ما عرف بـ»المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» الذي يتخذ من الكفاح القانوني والحقوقي منحى رئيسياً له.

لا تختلف مطالب المرصد عن نظرائه في الانتفاضة ومن جايله من الثوار الذين شكلوا المجموعات الشهيرة التي رفعت المطالب ولا زالت. لكنه، وإن كان ينسق مع بعضها على الأرض، فهو يواجه السلطة عبر ميزته التي يبرع فيها إنطلاقا من كون العماد الأساس له هو من المحامين المتطوعين الذين يشترك معهم في التحركات ناشطون سياسيون وإقتصاديون وإعلاميون وطلاب وشباب ينسجمون فكرياً بين بعضهم البعض عبر رفض سلطة أدت بالبلاد اليوم الى أزماتها الكبرى، كما في رؤية لبنان الذي يطمحون إليه.

تحت شعار إحتقار الفساد ومكافحته، إجتمع المؤسسون في الأيام الأولى للانتفاضة، وتشكلت الهيئة التأسيسية من واصف الحركة، علي عباس، جورج عازار، هادي الملا، الدكتور محمد حلاوي، الدكتور بلال علامة، إلهام مبارك، جيل سماحة، راضية حيدر أحمد، رندة نحلة وإيميه غانم وغيرهم الذين انضم إليهم الأعضاء الآخرون تباعا.

شرع هؤلاء في تأطير تحركاتهم على الأرض عبر مواجهة السلطة انطلاقا من نقطة ضعفها ومحاولة إيلامها عبر نزع الشرعية عنها مع متابعة قضايا الفساد والموقوفين، والتركيز على استقلالية السلطة القضائية عن طبقة السياسيين باعتبار ذلك مفتاح تحرر القضاة من هيمنة طبقة سياسية هي التي تعيّنهم.

برع هؤلاء في هزّ إستقرار وهيبة أركان في السلطة، وكان تحركهم يوميا أمام الادارات ذات شبهات الفساد لتعريتها أمام الرأي العام، كما يقول عباس الذي يشرح بأن الدائرة القانونية في المرصد تتولي ساعة بساعة وبطرق مختلفة الاستحصال على الأدلة والبراهين والمستندات وصولا الى التقدم بالدعاوى والإخبارات لحماية المال العام المنهوب وكشف الصفقات المشبوهة التي تشكل منبعا هائلا للسرقات.

والواقع أن نشاط المرصد يتميّز عن باقي مجموعات الحراك لكونه حدد مكمن الداء بالفساد وركز على آلية مواجهة سلطة تتغذى بالزبائنية وتعتاش عليه.

تحت هذا العنوان الكبير، وفي أمثلة على الأرض، ينادي الناشطون باستعادة الأموال المنهوبة ويعملون على «ملاحقة المناقصات حيث الهدر للمال العام وكشف الكارتيل وراء الصفقات التحاصصية وتقديم الإخبارات كما في قضية أدوية مرض السرطان وفي قضية الاتصالات».

والواقع أن ذلك ليس سوى وجها واحدا للمرصد، وهو وجه تكاملي مع المطالب التي يشترك فيها مع باقي مجموعات الحراك التي ينسق معها مثل مجموعات «لحقي» و«عامية 17 تشرين» و«لبنان ينتفض» و»بيروت مدينتي» و«كلنا وطني»، بينما احتفظ بمسافة عن قوى أخرى أبدى اعتراضات على سلوكها في «الثورة».

ووضع المؤسسون مسودة ورقة لتشكيل حركة شعبية سياسية إجتماعية لمواجهة المحاصصة الطائفية على الهيكل السياسي وداخل مؤسسات الدولة والتي قوننها إتفاق الطائف.

وتلحظ الورقة رفض النظام الاقتصادي التابع والطائفية بوصفهما ثابتين عبر تاريخ لبنان بالتلازم مع فساد سياسي واقتصادي وقضائي منظم ومدار من قبل السلطة الحاكمة وأدواتها داخل السلطة الضعيفة، التي «بات استمرارها منوطا إما باللجوء الى حرب أهلية أو التهديد بها أو اللجوء الى اتفاقات دولية».

ومن الأهداف الكبرى التي وضعها المرصد لنفسه يبقى الأهم دوما هو عنوان الإصلاح غير الممكن من دون ضرب المنظومة السياسية للفساد التي تهيمن على أشكال العمل الاداري والمالي والقضائي، وهي «منظومة محمية محمية للعبة الطوائف». إنطلاقا من هذا العنوان، يعمل المرصد على الصعد الأخرى في سبيل نظام سياسي حديث لن يتغير من دون انتخابات نيابية وعبر قانون يؤدي الى عدالة التمثيل مقدمة للخلاص من النظام الطائفي. على أن الهدف الأسمى هو الوصول إلى دولة مدنية تنبذ الطائفية وتحقق المساواة بين أبنائها، حسب عباس.

في هذه الأثناء، تظهر متابعة قضايا المتضررين من السلطة يوميا عبر خط ساخن لهم مع المرصد، كما هو الحال مع كل من صُرف من وظيفته أو تعرض لظلم ما، في الوقت الذي أولى فيه المرصد أخيرا أهمية على سبيل المثال لقضية إلزام البنوط إعادة جدولة القروض المصرفية لذوي الدخل المحدود.

تُسقط ثابتة افتقاد السلطة الحالية لمشروعيتها نفسها حكماً على رفض الحكومة الجديدة المُشكلة.

يقول عباس إن الحكومة الحالية هي استكمال للحكومة السابقة إستعملت فيها وجوه لخداع الحراك كواجهة لتلقي الصدمات، «هي باختصار حكومة المستشارين».

وبينما تتمثل الأولوية لقضايا الحاضر، ثمة أهداف أخرى ربما متوسطة وطويلة الأمد، ويعمل المرصد على الضغط بالوسائل المختلفة لتعديل القوانين البالية بالتوازي مع مواءمة طموحات الأجيال الجديدة التي لا شأن لها بقضايا السياسيين وموروثهم التاريخي والطائفي.

واليوم، يواجه ناشطو المرصد تحدي تظهير أنفسهم إعلاميا في وجه سياسيين يحاربونهم في الوقت الذي يتكاثر فيه هؤلاء ويزدادون أعداداً وعتيدا في وجههم. ويولي الناشطون أهمية أيضا لوسائل التواصل الإجتماعي التي باتت توازي الإعلام المرئي أهمية، حيث يعرض المرصد للرؤى وللإنجازات التي تحققت ومنها التي يعتز بها عباس بوصول «مرشح الثورة» ملحم خلف إلى رأس نقابة المحامين.

ولكن هل هو الإنجاز الوحيد؟ ماذا عن تنازلات السلطة والتي تحققت بعد أيام قليلة على تاريخ 17 تشرين؟ ما هو تقييم سقوط الحكومة السابقة برئاسة أحد أركان السلطة سعد الحريري ثم وصول حكومة برئاسة حسان دياب غير المعروف بتورطه بالفساد، لفظت المُستفزين منها؟

يوافق عباس على كل ذلك والذي ما كان ليتحقق قبلاً، لكنه يعتبره بالطبع غير كاف، وهو يُقر بأن المعركة مع السلطة طويلة نتيجة تمرّس الأخيرة وصلابتها. بالنسبة إليه، فإن الرهان يبقى على الناس التي فقدت ثقتها بالسياسيين.. ولو بعد حين.