من دون ان يرفّ لها جفن، أقرّت الحكومة امس البيان الوزاري الذي أحيل اليها من اللجنة التي عملت على صياغته، كما هو. راهن اللبنانيون، الذين قالوا “لا ثقة” للسلطة منذ لحظة تكليف حسان دياب التشكيل، على صحوة ضمير قد تصيب الوزارة الوليدة، بعد ان انهالت عليها الانتقادات غداة تسريب نسخة عن البيان، لا سيما لجهة “الفضيحة” التي تضمّنتها في ما خص “الكهرباء”، فتلجأ ولو “في الشكل”، وحفاظا على “ماء وجهها” الى ادخال تعديل الى هذا البند.. لكن رهانهم خاب!
انها دعسة ناقصة كبيرة وربما “قاتلة”، تبدأ بها حكومة “اللون الواحد” مشوارها “لمواجهة التحديات”، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. فالكهرباء، التي شئنا ام ابينا، كان لها دور بارز في اشعال انتفاضة 17 تشرين، كونها تمثل نموذجا عن “الدولة الفاشلة” وعن “هدر المليارات”.. قررت الوزارة الجديدة التعاطي معها بالاسلوب التقليدي عينه، والخطة نفسها التي وضعها التيار الوطني الحر، والتي- لاسباب او لاخرى- أثبتت عقمها وفشلها، بدليل ان التيار الكهربائي شبه مقطوع خلال النهار، حتى ان التقنين آخذ في الازدياد وسيشتد في قابل الايام.
الرئيس نبيه بري أدرك، ولو متأخّرا، أن الخطأ هذا (الذي يكاد يرتقي الى مستوى “الخطيئة”!) لا يمكن هضمه شعبيا، بل سيصب الزيت على نار النقمة على الحكومة. فحاول، غداة اقرار اللجنة البيان والانتهاء من صياغته، التصويب على الفجوة الكهربائية، رافضا بقوة العودة الى خيار البواخر.
لكن صرخته بدت فقط من باب رفع العتب. فما كتب قد كتب، وصدّق عليه مجلس الوزراء بالاجماع امس، وقالت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد بعد الجلسة “هناك خطة تمت الموافقة عليها في مجلس الوزراء عام 2019، وهي التي ستنفّذ مع بعض التعديلات اذا اقتضى الامر، وهو شأن يعود الى الوزارة المختصة اي وزارة الطاقة لدرس كل البدائل وتأمين الكهرباء كما هو موعود”.
إبقاء “التيار الوطني” سيدا ووصيا على قطاع الكهرباء، وتركُ الخطة الموضوعة للقطاع على حالها، لن يكون لهما الوقع السلبي محليا فقط. فالمجتمع الدولي الذي ينتظر من الحكومة الجديدة خطوات واجراءات اصلاحية ملموسة تثبت انها فعلا لا قولا، “انتفضت” على نهج الحكم السابق، المجتمع الدولي لن يكون بطبيعة الحال، راضيا عن “الشعارات” الجميلة والوعود البراقة التي جاءت في البيان من دون تفنيدها او تحديدها بأطر زمنية واضحة، فكم بالحري حين يرى ان مقاربة الأزمة الكهربائية باقية على حالها!
والحال ان الدول المانحة وجهات “سيدر”، وعمودها الفقري فرنسا، كانت كلّها شددت في الآونة الاخيرة على ضرورة اصلاح هذا القطاع، حتى ان أركانها وأبرزهم السفير المكلف متابعة مقررات سيدر بيار دوكان، ومنذ يومين منسق الامم المتحدة في لبنان يان كوبيش، توقّفوا مطولا عند هذا الملف. ففيما هالهم الفشل المتمادي في انقاذه بعد عقود على انتهاء الحرب، منتقدين في العلن وفي صالوناتهم المغلقة، عدم أهلية او كفاءة مَن تولّوا الوزارة، في اصلاحه، نصحوا بتفرّغ الحكومة لوقف الهدر كهربائيا ولوضع قطار اصلاحه على السكة. ولسان حالهم “اتركوا كل شيء، وصبّوا جهدكم على الكهرباء، فقط لا غير”. فتحقيق خرق في هذا الملف، كفيل بتوجيه اشارة مشجعة قوية الى الخارج، وسنأتي لملاقاتكم! لكن عبثا نصحوا ووعظوا… فالمحاصصات والصفقات وتسجيل النقاط، أهمّ وأقوى.
حكومة دياب ستنطلق بـ”عورة” لا يمكن تجميلها او تغطيتها، اسمها “الكهرباء”، يرجَّح ان تقفل امامها سلفا باب المساعدات الدولية، تضاف الى كونها “عرجاء” شعبيا وحتى “نيابيا”، فهل ستتمكن بعلّاتها هذه كلها، ان “تواجه التحديات”؟