كتب عماد مرمل في الجمهورية:
غالب الظن، انّ اللبنانيين لن يهتموا كثيراً بالبيان الوزاري الذي اقرّته الحكومة امس، بعدما فقدوا تماماً الثقة في مثل هذه البيانات، وهذا ما سيصعّب المهمة على حكومة حسان دياب، التي وُضعت تحت الاختبار حتى قبل ان تولد.
من المفارقات التي تواجه الحكومة، انّها مطالبة بأضعاف ما كانت تطالب به الحكومات السابقة، ربطاً بحجم الازمة الراهنة، في حين أنّ الامكانات اصبحت ايضاً اقل بأضعاف.
والمفارقة الأُخرى، انّ الوزراء الجدد الذين هم اختصاصيون غير حزبيين، وحتى غير مسيّسين في اكثريتهم، وإن سمّتهم قوى سياسية، ستُلقى على عاتقهم تراكمات عقود من «التخبيص» الاقتصادي والمالي، وسيتحمّلون وزر ازمة صنعتها الطبقة السياسية، لكنها قد تنفجر بين ايديهم في اي لحظة وتودي بسمعتهم ومستقبلهم.
والاصعب من ذلك كله، انّ الحكومة لا تملك، نتيجة قسوة التحدّيات، حتى ترف الفرصة والتجربة. فهي محكومة بالنجاح ولو بنحو متدرج ونسبي، تحت طائلة تحميلها المسؤولية الكاملة عن الفشل وتدفيعها ثمنه عبر الرحيل الطوعي او القسري، بمعزل عن انّها ورثت اساساً تركة ثقيلة ومتراكمة هي من صنيعة الآخرين.
لقد اختار دياب ان يخوض مجازفة «يا قاتل يا مقتول» في مواجهة «قرش» الأزمة المفترس، ووسط مرحلة بات يعزّ فيها القرش. ولذلك، ليس امام الرجل من حل وسط، بعدما بات ظهره على الحائط. انّها مباراة لا تعادل فيها ولا تمديد للوقت، بل هي طلقة واحدة وأخيرة في مسدس دياب، فإما ان تصيب رأس الازمة وإما ان تضيع هباءً ومعها آمال الانقاذ.
يؤكّد العارفون، انّ دياب يدرك خطورة الموقف جيداً، وهو يمضي معظم وقته، بعد انتهاء الاستقبالات الرسمية، في درس الملفات المتراكمة والخيارات الممكنة لمعالجتها، سعياً الى اختصار مراحل ما بعد الثقة.
يسابق دياب «ذئب» الانهيار الكامل الذي يبدو أنّ عدّه التنازلي يتسارع، في ظلّ «أحكام مصرفية عرفية» تشدّ الخناق على المودعين- الضحايا وتكبّل اياديهم، علماً انّ الاسوأ لم يأتِ بعد، وخصوصاً على الصعيد الاجتماعي.
ولئن كان المأزق الاقتصادي المالي قد ازداد تفاقماً منذ اشهر، إلاّ انّ مفاعيله المعيشية لم تكتمل بعد، وهي ستتخذ في الاسابيع والاشهر المقبلة أشكالاً اكثر حدّة، على الأرجح، مع نضوب آخر آبار الاحتياطيات لدى اللبنانيين وتراجع قدرتهم على التحمّل، الامر الذي سيهّدد بمضاعفات اجتماعية وخيمة، تصبح معها الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الاول مجرد نزهة، ما لم تستطع الحكومة خلال هامش المئة يوم إحداث صدمة ايجابية توقف الانحدار وتؤسس للمعالجات المطلوبة.
ولعلّ اهم ما في البيان الوزاري، انّه تمّت برمجته على اساس مِهل زمنية قصيرة ومتوسطة الأمد، من شأنها ان تقلّص مساحة المناورة امام الحكومة وتضعها تحت ضغط إثبات الصدقية والقدرة، بدءاً من اليوم الاول الذي يلي منحها الثقة النيابية. واذا لم تنجح الحكومة في امتحان اكتساب الاهلية، فإنّ هناك من يخشى هذه المرة من ان يؤدي تفاعل عوامل الفقر والعوز والقهر والإذلال امام المصارف الى ثورة حقيقية تتجاوز بأشواط سقف 17 تشرين وتلتهم اليابس وما تبقى من الاخضر. ثورة جياع خارج السيطرة والتحكّم ومشرّعة على كل انواع الفوضى، ذلك انّ من يشعر بأنّه لم يعد لديه ما يخسره يمكن توقّع اي شيء منه، اما سعياً الى تعويض بعض خسارته واما لـ«معاقبة» المتسببين بها.
وتعتبر اوساط سياسية متعاطفة مع الحكومة الجديدة، انّ الشرط الاول لنجاحها يكمن ببساطة في ان تتصرّف عكس سلوك الحكومات السابقة، فتستبدل المحاصصة بالنزاهة، والمحسوبيات بالكفايات، والاقتصاد الريعي بالمنتج، وتطويع القضاء بتفعيله، ومراكز القوى بفريق العمل المنسجم.
ربما تبدو هذه المعايير مثالية ونموذجية، واقرب الى «اتيكيت» الدولة الفاضلة بالمقارنة مع الواقع اللبناني، لكن ليس من خيار لحكومة دياب سوى محاولة محاكاة تلك المعايير والاقتراب منها قدر الإمكان، لأنّ النيات الحسنة وحدها باتت غير كافية للخلاص ما لم تكن مرفقة بالأعمال.