تبدأ في لبنان، مرحلة جديدة سياسية – شعبية – أمنية، مع ارتداء حكومة الرئيس حسان دياب «قبعة» الثقة النيابية في جلساتِ البرلمان الثلاثاء والأربعاء، التي تكتمل معها مواصفاتها الدستورية من خلف ظهْر الـ«لا ثقة» المدوّية من متظاهرين يستعدّون لإسماع صوتهم ومحاولة منْع التئام مجلس النواب «بأي ثمن»، وذلك من فوق قرار السلطة بضمان عقْد الجلسات «ولو بالقوة» بعدما وَضَعَتْ «الخيارَ الأمني» على الطاولة.
وسيشكّل امتحانُ الثقة اختباراً مزدوجاً للائتلاف الحاكم الذي يسعى إلى أن تَخْرُجَ حكومة «اللون الواحد»، التي وُلِدتْ في كنف «حزب الله» وحلفائه، من البرلمان بدعمٍ لا يقلّ عن الغالبية التي كُلِّف بها رئيسها (69 نائباً من 128)، وفي الوقت نفسه توجيه رسالةٍ إلى «ثورة 17 تشرين الأول» بأنّ السلطة انتقلتْ من موقع متلقّي الضربات إلى المواجهة حمايةً لمسيرتها المحفوفة بـ «الألغام» في الطريق لمحاولة تعطيل «القنبلة الموقوتة» المالية – الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، تعرب أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي» عن قلق كبير من أن يكون المسار الذي سيعبّر عنه الأسبوع المقبل مقدّمةً لجذْب المزيد من «الصواعق» إلى الواقع اللبناني العالق بين «عصْفيْ» المواجهة الأميركية – الإيرانية والانهيار المالي الذي تتوالى عوارضه، لافتةً إلى 3 معطيات تشي مسبقاً بأن الحكومةَ الجديدة ستنطلق رسمياً بخطى ثقيلة في الوقت الذي تسير الأزماتُ المتشابكةُ بسرعة يُخشى أن تكون سبقتْ أي حلول ممكنة:
* الأوّل، أن أي انزلاقٍ نحو استهداف المتظاهرين بحجة حماية المؤسسات الدستورية ومنْع التخريب، سيكون بمثابة «صبّ الزيت على نار» غضبِ الشارع فيما يزدادُ ثِقْلُ الأزماتِ على المواطن الذي بات وكأنه «في قفص» مالي – اقتصادي يئنّ تحت وطأة الظروف المعيشية «التراجيدية» في بعض مستوياتها، ناهيك عن تداعيات «تكشير» السلطة عن «أنيابها» الأمنية على مستوى الخارج الذي يرسم، إلى جانب عنوان «الإصلاحات أولاً» كشرط لمساعدة لبنان، خطاً أحمر عنوانه حماية المُنْتفضين.
وكان المجلس الأعلى للدفاع، الذي اجتمع الجمعة برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة، مهّد لخياراتٍ جديدة في التعاطي مع المحتجّين الذين توعّدوا بـ «مفاجآتٍ» تحول دون عقد جلسات الثقة، بما يوحي بأن السلطة قررت «خلْع القفازات» والتعاطي مع المتظاهرين بمنطق «الحزم».
واستوقف الأوساط المطلعة في الإطار نفسه، موقفان معلَنان عكسا المنحى الجديد، الأول من عون الذي شدد في الاجتماع على «أهمية ضبط الوضع الامني للمحافظة على الاستقرار والسلم الاهلي وعدم التهاون مع أي محاولة للنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها ومقارها الرسمية». والثاني من دياب الذي «شدد على تكثيف الجهود التنسيقية بين مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية لتعميم الاستقرار واستباق الاحداث التخريبية لتفادي أي تطورات».
* المعطى الثاني أن جلساتِ الثقة ستشهد تظهيرَ معارضة شرسة للحكومة من كل القوى التي لم تشارك فيها (وخصوصاً تيار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وأحزاب القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي ونواب مستقلين) والتي سبق أن جزمتْ بعدم منْحها الثقة اعتراضاً على شكلها وطريقة تأليفها وبيانها الوزاري، وإن من دون أن تكون هذه القوى في إطار «تكتلٍ جبْهوي».
* أما المعطى الثالث، فيتمثّل في أن الـ «لا» الكبيرة المتوقَّعة من المتظاهرين ستصبح لها أبعاداً أكثر قوة بحال ترافقتْ مع خروج الحكومة مهشَّمة على يد معارضيها وبثقة هزيلةٍ أو فرضتْ حركة الشارع عدم وصول بعضهم إلى البرلمان.
وعشية جلسات الثقة، برز تطوّر لافت تمثل في موقف ذات دلالاتٍ من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الذي اجتمع برئاسة مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان واعتُبر بمثابة أول «اعتراف» بالحكومة الجديدة مع «وقف التنفيذ» بانتظار إثبات قدرتها «على النهوض بأوضاع البلاد المتردية والخطيرة والتمسك بالدستور ومقتضيات اتفاق الطائف واستعادة ثقة اللبنانيين بالدولة»، مؤكداً «أن المجلس سيواكب هذه الالتزامات والتعهدات بدقة متناهية».
وجاءت هذه الإشارة على وقع تطوّر بارز ويحمل دلالات عدة شكّله إعلان «تيار المستقبل» للمرة الأولى منذ 15 عاماً، أن إحياء ذكرى 14 شباط سيتم هذه السنة في بيت الوسط (دارة الحريري) بعدما كان يحصل أولاً في «ساحة الشهداء» في مشهدية شعبية حاشدة لسنوات، انتقل بعدها إلى «البيال» لتكون ذكرى رسمية – شعبية.
وإلى جانب هذا التحوّل الشكلي الذي لم تُحسم خلفياته، تتجه الأنظار إلى كلمة الحريري الذي كشفت مصادره أنه «سيوجّه خطاباً مفصلياً مبنياً على مقاربات نقدية تستند إلى ثوابت«الحريرية الوطنية»وقيمها وتؤسس لرسم خريطة طريق«تيار المستقبل»لمواجهة التحديات المقبلة ووضْع النقاط على حروف التطورات ما بعد 17 تشرين الأول، ولا سيما على صعيد«التسوية»التي انقلب عليها العهد، والعلاقة مع بقية المكوّنات السياسية»، لافتة إلى أن هذا الخطاب «سيكون من أهمّ خطابات الحريري في الأعوام الـ 15 الماضية».
وفي غضون ذلك، برزت مواقف للرئيس عون، إذ كشف «اننا سنتخذ كل الاجراءات المالية الصارمة من أجل إعادة النهوض الاقتصادي، ولأجل ذلك لسنا بحاجة الى مساعدة استثنائية، بقدر ما لنا الحق في ان نستعيد من قبل الدول التي اشعلت الحرب في سورية، جزءاً من الـ 25 مليار دولار التي تكبّدها لبنان جرّاء هذه الحرب والنزوح السوري اليه»، مشدداً على «ان حزب الله لا يقود الحكومة الجديدة».
وأشار عون في مقابلة مع مجلة «فالور أكتويل» الفرنسية، واسعة الانتشار، إلى «ان هناك بعض الدول أعربت عن رغبتها في مساعدة لبنان، وفي مقدّمها فرنسا»، مشدداً على ان «العلاقات اللبنانية – الفرنسية راسخة وثابتة».
وأكد ان «محاربة الفساد جزء من برنامج عملنا وسنعمل بشكل وثيق مع شركائنا الدوليين لاستعادة الاموال المنهوبة».
وأعرب عون عن استغرابه من الموقف الغربي الرافض لعودة النازحين السوريين الى ديارهم.
واعتبر الرئيس اللبناني ان «من المستحيل ان يقع لبنان فريسة التجاذبات الايرانية – الاميركية».