خلال قداس عيد مار مارون، خصّ رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبدالساتر في عظته المسؤولين في لبنان، وتوجّه إليهم بخطاب عكس غضب مختلف اللبنانيين من أداء السلطة برمتها، في خطوة أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت الكنيسة المارونية بصدد الشروع في تحول مفصلي ضد العهد برئاسة العماد ميشال عون، كما أسئلة حول علاقتها بتصريحات أطلقها متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس، المطران إلياس عودة، انتقد فيها الوضع السياسي، الأمر الذي يدفع بعض المراقبين إلى الحديث عن وحدة بين الكنائس المسيحية للتصدي لظاهرة حزب الله ودوائره.
عظة من نوع خاص
تجعل مناسبة الاحتفال بعيد مار مارون لرسائل الكنيسة المارونية طبيعة خاصة تطال في انتقاداتها الموقع السياسي الماروني الأول في البلاد المتمثل برئاسة الجمهورية. وقد فاجأت العظة، التي ألقاها مطران أبرشيّة بيروت للموارنة بولس عبدالساتر، ووصفت بعالية النبرة، الحضور.
وإلى جانب عون، كان حاضرا كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب، الأمر الذي يشير إلى أن الحديث يشمل الرؤساء الثلاثة، ولا يعدّ تحولا موجها ضد العونية السياسية في البلاد. فيما زاد من أسئلة المراقبين تصفيق بري لكلام عبدالساتر القاسي مقابل صمت عون ودياب.
وقال عبدالساتر في عظته “أيها المسؤولون ائتمناكم على أرواحنا ومستقبلنا، تذكروا أن السلطة خدمة. لكم أقول نريد أن نحيا حياة إنسانية كريمة، لقد تعبنا من المماحكات العقيمة والاتهامات المبتذلة، مللنا القلق على مستقبل أولادنا والكذب والرياء، نريد منكم مبادرات تنبت الأمل وخطابات تجمع وأفعالا تنبني، نريدكم قادة ومسؤولين“.
وأضاف “ألا يحرك ضمائركم نحيب الأم على ولدها الذي انتحر أمام ناظريها لعجزه عن تأمين الأساسي لعائلته؟ ألا يستحق اللبنانيون الذين وثقوا بكم وانتخبوكم في أيار 2018 أن تصلحوا الخلل في الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، وأن تعملوا ليل نهار مع الثوار الحقيقيين وأصحاب الإرادة الطيبة على إيجاد ما يؤمّن لكل مواطن عيشة كريمة؟ وإلا فالاستقالة أشرف”.
اتخذت عظة مطران أبرشية بيروت للموارنة بعدا خاصا كونها تواكبت مع وجود البطريرك الماروني بطرس الراعي في الفاتيكان حيث التقى البابا فرنسيس. وأثار الأمر أسئلة عما إذا كان عبدالساتر ينقل أجواء فاتيكانية استنتجها الراعي أثناء تواجده هناك.
وقالت مصادر إن دوائر قصر بعبدا حاولت التقليل من شأن اللهجة القاسية للمطران عبدالساتر والتي ذهبت إلى التوجه إلى الرؤساء الثلاثة، طالبا الإصلاح أو الاستقالة وهو أمر قلما تذهب إليه الكنائس في لبنان، وخصوصا الكنيسة المارونية.
ولطالما كانت البطريركية المارونية المرجع الأول للساسة الموارنة على الرغم من تاريخ من خلافات بين الساسة الموارنة والكنيسة المارونية منذ استقلال لبنان. ورغم تلك الخلافات سعت البطريركية المارونية إلى عدم الاصطدام برئيس الدولة الماروني، بل حماية موقعه على رأس الدولة اللبنانية.
يتذكر اللبنانيون أن البطريرك الراحل نصرالله بطرس صفير كان خصما للوصاية السورية في لبنان، إلا أنه مع ذلك رفض مباركة السعي للإطاحة برئيس الجمهورية الأسبق أميل لحود المتحالف مع دمشق، ورفض دعم الدعوة إلى إطلاق المظاهرات التي تلت اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في فبراير 2015 صوب قصر الرئاسة في بعبدا.
وتنفي مصادر كنسية أن تكون هناك أي علاقة بين زيارة الراعي للفاتيكان وعظة عبدالساتر في بيروت. كما تنفي أن يكون في هذه العظة ما هو موحى به من قبل البطريركية المارونية في بكركي.
وتؤكد أن لمطران أبرشية بيروت الحرية الكاملة في اختيار مادة عظته، وأن ما قاله عبدالساتر الأحد، يعبر عن رأيه ولا يعبر عن سياسة البطريركية أو سياسة الفاتيكان.
تأتي صرخة عبدالساتر مدوية تشبه الصرخة التي أطلقها متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس، المطران إلياس عودة، منذ بداية الحراك الشعبي في أكتوبر الماضي. ونقل عن عودة إن “هذا البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعا ولا أحد يتفوّه بكلمة ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح”.
وتساءل “أين الثقافة؟” وأضاف “أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يعرف، يتحكم بنا”.
وبدا أن عودة يغمز من قناة العهد، لاسيما جبران باسيل، صهر الرئيس، ومن قناة حزب الله الذي يحكم البلد بالسلاح. وهنا، يبدو أن هناك خيطا ناظما بين موقف عودة وصرخة المطران الماروني عبدالساتر التي تشي بوحدة الكنائس المسيحية للتصدي لظاهرة حزب الله ودوائره.
غضب لبناني
اللافت هنا أن الأمر يعتبر نادرا، فلطالما تم كبته وعدم التعبير عنه من خلال ضغوط كانت تمارسها المنظومة الأمنية التابعة للوصاية السورية في البلد، وراحت تمارسها تيارات سياسية مسيحية متحالفة مع حزب الله بعد زوال تلك الوصاية عام 2005. وتكشف مصادر كنسية أن ما صدر عن المطران عبدالساتر وقبله عن المطران عودة يمثل غضب اللبنانيين، لكنه في الصميم يعبر عن قلق الكنيسة من حالة الاستنزاف الديموغرافي التي يعاني منها مسيحيو لبنان نتيجة تصاعد مستويات الهجرة التي تفتك بالحضور المسيحي بنسب عالية.
وقد عكست مطالبة عبدالساتر “الزعماء الوطنيين” برفض التجنيس والتوطين مخاوف مسيحية من أن الاستمرار في تمرير مراسيم التجنيس، كما إمكانية القبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، لاسيما بعد الإعلان عن صفقة القرن وما يمكن أن يتبع ذلك من ضغوط أميركية، سيولد نزيفا جديدا في حجم أعداد المسيحيين في البلد.
لطالما كانت البطريركية المارونية المرجع الأول للساسة الموارنة على الرغم من تاريخ من خلافات بين الساسة الموارنة والكنيسة المارونية منذ استقلال لبنان
وكشف “تقرير موثق” حصلت عليه دوائر الفاتيكان، عن وجود أكثر من 60 ألف مهاجر لبناني غادروا البلاد منذ 7 أشهر حتّى اليوم، بينهم 30 ألف مسيحي توزعوا على مختلف دول العالم في ظروف معيشية سيئة لا تختلف كثيرا عما عانوه في لبنان.
وتضمن التقرير مسارا زمنيا سيئا للأرقام الاقتصادية والماليّة لخزينة الدولة في حال لم تحصل أيّ صدمة نوعية في الإدارة أو خطوة دوليّة تمنح فرصة جديدة للبنان.
وتكشف مصادر إعلامية في لبنان عن حوار حصل بين نائب الرئيس الأميركي مايك بنس والبابا فرنسيس، خلال زيارة بنس إلى الفاتيكان منذ شهرين، بشأن الوضع المصيري الذي يواجهه مسيحيو لبنان، في ظل تمسك فريق واحد بمفاصل القرار والحكم في الدولة.
وتدعو مصادر دبلوماسية إلى مراقبة تحرك مسيحي داخلي قد يحظى برعاية الفاتيكان من أجل الضغط على الطبقة السياسية للشروع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها المجتمع الدولي. ولم تستبعد هذه المصادر وجود أجواء إنجيلية أميركية في هذا الصدد، علما أن تلك التيارات الإنجيلية تحظى بنفوذ لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخصوصا نائبه مايك بنس.