IMLebanon

حين ينحني مطران ثائر أمام وجع الناس!

كتبت نوال نصر في الجمهورية:

هناك من صفّق، وهناك من صمت، وهناك من صفّق والوجوم بادٍ على وجهه.

راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد الساتر فاجأ الجميع، كما دائما، في كلّ ما يفعل ويقول ويقرّر ويعظ ويتصرّف. سيادته لم يرضَ أن يمرّ عيد مار مارون هذه السنة بلا اعتراف وتحذير وإنذار وبلا عظة أشعلت قلوباً وأطفأت نيران قلوب.

ومار مارون “بيّ الطايفة” المارونيّة أبى أن تمرّ المناسبة من دون أن يخرج من الكنيسة المارونيّة من يعلن أمام الملأ: “لبنان في خطر”. هي أعجوبة مار مارون في عيده.

في النارِ يُختبرُ الذهب، ومطران بيروت أختبر بدل المرّة مرات في المحن. هو المطران الثائر. والثائر أكثر من يعرف أن الثوار قد يُقتلون، قد يُنحرون، لكن الثورة لا تموت.

في سيرةِ المطران- الثائر أنه ابن بيروت، ابن مدينة عين الرمانة في بيروت، وكان له من العمر يوم اندلعت الحرب في لبنان، وتحولت عين الرمانة الى “خط تماس”، 13 عاماً فقط لا غير. لكن، من يعرفون آل عبد الساتر يجزمون أن المطران يتحدّر من مزرعة الشوف لا من بيروت. في كلِ حال بين بيروت ومزرعة الشوف وكلّ لبنان يبقى الوجع ذاته والأمل ذاته وأن “سيادته” عرف دائما معنى الوطن وفاتورة الحرب وجدوى الثورة.

المطران عبد الساتر سيم كاهناً العام 1987. 33 عاما وهو في قلبِ الكنيسة، ومن يعرفه يعرف مدى تأثره في كلِّ مرّة سمع فيها عن مرض إنسان ووجع إنسان وجوع إنسان وفقر إنسان ويأس إنسان.

سيادته خدم رعيّة القلب الأقدس في بيروت وتولى رئاسة مدرسة الحكمة في عين الرمانة، ثم رئاسة الحكمة في الأشرفية. عُيّن قيّما عاما للأبرشيّة ثم نائبا أسقفيا لراعي الأبرشيّة المطران بولس مطر وخادما لرعيّة مار يوحنا المعمدان في الأشرفية ثم أسقفا العام 2015 ثم عُيّن مطراناً لأبرشية بيروت المارونية. سيادته لم يكن يوما رقما إضافيا في كل المواقع، بل كان رجل الله المناسب في المكان المناسب. وأوّل الغيث في مطرانيّة بيروت كان بيعه كلّ السيارات الفخمة وشراءه مركبة من نوع كيا. كيا تكفي لتقله والمال قد يكفي ليساعد في ضخّ بعض الحياة في شرايين أبناء الكنيسة.

قال سيادته ما قال. وهبّ الجميع في التحليل والتفسير والتعليل. فهل قال كلمة بكركي أم نقل الوجع كمطرانٍ؟

ما أثار استغراب كثير من رجال الدين هو هذا الصدى الكبير الذي لاقاه كلام المطران عبد الساتر والذي سبق وقال أكثر منه البطريرك بشارة الراعي بلا لياقات ولا حرج مردداً: “وضعوا الخزينة في جيوبهم وما بقا في ضمير”، لكن ما حدث في عيد مار مارون أن بعضاً ممن حكى عنهم البطريرك كانوا حاضرين بالجسد والروح والنفس فأتى صدى عظة المطران أقوى وأشدّ. وكلام رجل الدين من “قديم وجاي” هو كلامٌ منذر. واجبه أن يُنذرهم بالهلاك والخلاص.

منسوب خوف الكنيسة في لبنان هائل. وبكركي والمطارنة والكهنة يحكون في مجالسهم، كما في العظات، كلاماً أقسى “فالوضع خطير جداً جداً” لكن الفارق في ما حدث البارحة، مع المطران عبد الساتر، هو ورود كلامه في “زمان ومكان” معينين وأمام حضور كان يفترض أن يسمع.

سيادة المطران لا يُحبّ النفاق ولا الرياء. الكلّ يُجمع على هذا. وهو يبتعد قدر الإمكان عن “المسايرة” ويُفضّل الصراحة والحسم والحزم والدقة. وكيف لا وهو ابن محاسب وأمسك الشؤون الإدارية والمالية يوم كان نائباً أسقفياً في أبرشيّة بيروت وأدار مدرسة الحكمة وعفا عن أقساط طلابٍ وأصدر تعليماته بألا تشكل الأقساط عائقاً أمام أي طالبٍ راغب في العلم. أتتصورون؟ أتصدقون ذلك؟ سيادة المطران بولس عبد الساتر فعل ذلك.

أوّل البارحة، في عيد مار مارون، عاد من كانوا في كنيسة أب الطائفة المارونيّة بمشاعرٍ متناقضة، جعلتهم يفكرون، ولو للحظات، “أن ما حدا بيقدر يحبس الميّ، والناس متل الميّ، إلا ما تلاقي منفذ تنفجر منو”. الثورة لم تمت. الكنيسة أم الثورة. بولس عبد الساتر ثائر. والشعب ثار. والثوار مستعدون اليوم أن يصرخوا مع كنيستهم: أقتلوا الثوار يا جبناء فالرصاصة لن تقتل سوى رجل.