يقول محللون إنه بالنظر لخارطة توزع القوى السياسية في البرلمان، فإن حكومة دياب عمليا بإمكانها الحصول على الثقة بيد أنها ستكون ثقة ضعيفة ما يجعلها في وضعية هشة إزاء التعاطي مع التحديات القائمة، في غياب رافعة دولية يمكن الاستناد عليها وهي المحسوبة على “حزب الله”.
وتقول أوساط دبلوماسية وإعلامية غربية على ضوء الأطراف المشكلة لحكومة دياب، إن الأخير يبدو في حاجة لعصا سحرية لإخراج البلاد من أزمتها المركبة، خاصة وأنه إلى حد الآن لا يبدو أن هناك طرفا دوليا مستعدا لتقديم يد العون.
وأمام هذا الواقع هناك مخاوف فعلية من أن يذهب أصحاب السلطة الفعليين في لبنان وفي مقدمتهم حزب الله إلى خيارات راديكالية من بينها الضغط باتجاه تعليق دفع الديون الخارجية المتراكمة في محاولة لاحتواء التدهور الاقتصادي الحاصل، والذي يحظى حاليا بالأولوية.
ومعلوم أن تعليق الديون وإعادة التفاوض مع الدائنين مسألة مطروحة بين رئاسة الجمهورية وحزب الله منذ فترة، بيد أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يعارض هكذا خطة لأنها ستضرب مصداقية المؤسسة المالية التي يرتكز عليها النظام الاقتصادي للبلاد، وهذا ما يفسر عودة التصويب مجددا على سلامة من بعض المنابر القريبة من حزب الله التي تدعوه بشكل صريح إلى الرحيل، محملة إياه الجانب الأكبر من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها البلد.
واعتبر تقرير نشره موقع “أورو بوليتيكال ريبورت” ومقره بروكسل، أن “هناك مخاوف فعلية من ألّا تكون حكومة الرئيس حسان دياب قادرة على تمرير القوانين وإطلاق الإصلاحات المطلوبة”، لافتا إلى أن “ساعة الحقيقة دقت في لبنان، وهناك مخاوف من تخلف الدولة قريباً عن سداد الديون المستحقة عليها”.
وشدد التقرير الذي كتبه رئيس تحرير الموقع جيمس ويلسون على أنه “أمام الحكومة اللبنانية وقت قصير للغاية من أجل إقناع دول كفرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بتوفير تمويل مهم لإنقاذ الاقتصاد اللبناني”.
وحذر ويلسون في تقريره من أن هناك استهدافا ممنهجا لحاكم مصرف لبنان، ووصف المقالات التي تنشرها جريدة “الأخبار” المعبرة عن سياسة حزب الله والتغريدات التي يكتبها النائب جميل السيد القريب من الحزب بأنها “لتشويه سمعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وصورته”.
ونقل التقرير عن محللين سياسيين واقتصاديين أن “قرار حزب الله الإمساك بمفاصل الحكومة الجديدة وقراراتها يرتبط مباشرة باعتباره لبنان مسرحاً للصراع بين الولايات المتحدة وإيران”، مشددا على أن “أجندة حزب الله لا تقوم على تأمين ظروف الاستقرار للبنان، وإنما على دعم المصالح الإيرانية”.
ووفق التقرير فإن “حزب الله يحاول حرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للأزمة، وهو يستخدم النائب جميل السيد للقيام بذلك من خلال تعليقاته التي تحاول إلقاء مسؤولية الأزمة الحالية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”، لافتاً إلى حديث سابق للباحث في جامعة هارفارد وكبير المصرفيين السابقين في بنك ستاندرد تشارترد في لبنان دان قزي لصحيفة “فاينانشال تايمز” يقول فيه إن “الفضل بنظر المجتمع الدولي يعود لسلامة في ضمان استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي”. ويرى أن أداء سلامة وقراراته في الظروف الاقتصادية الصعبة تتميز “بالكفاءة والحكمة”.
وموقف حزب الله من سلامة لا يرتبط فقط برفض الأخير مسألة تعليق تسديد الديون المستحقة على لبنان، بل أن المسألة تتعدى ذلك إلى رغبة الحزب في الانتقام من الأخير لالتزامه بالعقوبات الدولية على الحزب، وتنفيذه النصوص القانونية في هذا الإطار بحذافيرها لتجنيب لبنان عصا العقوبات.
وسبق أن صرح رئيس الحكومة الجديد حسان دياب بأن “إقالة رياض سلامة غير واردة حاليا ونريد أن نبني على الإيجابية”. ويقول محللون إن تصريح دياب يشي بأنه ليس حازما وحاسما في مسألة استمرار سلامة، الذي يشكل الطرف الوحيد حاليا في المشهد اللبناني الذي يحوز على ثقة المجتمع الدولي.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إن إمكانية الإطاحة بسلامة واردة للغاية خاصة وأن حزب الله بات المهيمن حاليا على السلطة، محذرة من أن مثل هذا القرار سيحمل رسالة سلبية جدا للمجتمع الدولي، تتجاوز بعدها الاقتصادي والمالي والسياسي.