رأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي سعد في كلمة القاها في جلسة اعطاء الثقة بالحكومة “ان هناك مقاربات لا يمكن التغاضي عنها ولا يمكن في الوقت عينه السماح بتسخيرها لخدمة حسابات ومصالح ضيقة، علما انه يمكنها ان تساهم في حل الأزمة بشكل سريع وتمويل شبكة أمان اجتماعية تؤمن الاستقرار على المستوى الانساني، فما من أولوية تعلو اليوم على هذه الأولويات”.
وقال: “نواجه اليوم أخطر المراحل في تاريخ لبنان، والدولة على وشك أن تصبح دولة فاشلة. اننا نقف اليوم أمام بيان وزاري يتكلم على مقاربات قصيرة المدى وبعيدة المدى بين سنة وثلاث سنوات، وكأن الأمور تسير بشكل طبيعي مع بعض الاهتزازات الطفيفة التي يمكن معالجتها بالمقاربات الاعتيادية”.
واضاف: “الوضع الحالي يتطلب بيانا وزاريا يعرض بوضوح خططا وسياسات تخرج البلد من الأزمة بشكل عاجل، عبر التطرق الى الأمور الأكثر الحاحا وأثرا على المالية العامة والاقتصاد. وما فاجأنا انه، وحيال هذه الاوضاع المالية والاقتصادية الدقيقة، لم يتطرق البيان الوزاري الى أحد أكبر القطاعات تأثيرا على الاقتصاد والمالية العامة وهو قطاع الاتصالات الذي يشكل نسبة 10% من الموازنة. ان قطاع الاتصالات هو من اكثر القطاعات تأثيرا على التحول الاقتصادي والاصلاح المالي في البلاد الى جانب قطاع الكهرباء. ومن المتعارف عليه عالميا أن قطاع الاتصالات عامل تمكين للنمو الاقتصادي لأنه يؤمن البنية التحتية الحديثة للشركات والمستهلكين للعمل بشكل أكثر فعالية. فبحسب منظمة مجتمع الانترنت والبنك الدولي، فإن كل انتشار اضافي للنطاق العريض (Broadband) بنسبة ??% يوازيه ارتفاع في الدخل القومي بنسبة 1,6%.
وتابع: “تقدر عائدات الاتصالات في لبنان بنحو 2 مليار دولار وتمثل مجمل الاموال المدفوعة على خدمات الاتصالات. وقد وصلت التحويلات المقدرة لخزينة الدولة من الاتصالات الى 1,1 مليار دولار في عام 2018 علما ان تقديرات الموازنة كانت تشير الى 1,3 مليار دولار. وفي ظل ملكية الدولة الكاملة للقطاع، فإن الفرق بين العائدات والتحويلات الى الخزينة بلغ 900 مليون دولار، وهو فرق يمكن تقليصه اذا اتخذت اجراءات سريعة في هذا الخصوص”.
واردف: “ان الدولة تعتمد بشكل كبير على عائدات قطاع الاتصالات وتحويلاته ما جعل منه اشبه بمصدر ضريبي للدولة، وفي الوقت عينه تزداد تكلفته التشغيلية والاستثمارية ضمن اطر ادارية غير سليمة خلقت مجالات شتى للهدر والارتفاع في الكلفة. من ناحية اخرى، يمكن لهذا القطاع ان يؤمن للدولة مدخولا كبيرا خلال سنة واحدة او سنتين اذا نفذت القوانين التي اقرت في المجلس النيابي منذ العام 2002. ومن منطلق البحث عن ايجاد حلول جذرية وسريعة للعجز المالي، لا بد من التطلع الى قطاع الاتصالات على المديين القريب والبعيد للمساهمة في هذه الحلول وعدم تركه خارج المعادلة. ان الدولة اللبنانية ادارت هذا القطاع بطريقة ملتوية منذ سنوات، فوقعت عقودا مع شركات لادارته، لكن التواقيع والقرارات بقيت في غالبيتها في يد وزير الاتصالات. لقد اختبأ الوزراء وراء عقود شركات التشغيل لسنوات وعاثوا في القطاع فسادا وفوضى وكبدوه الخسائر وفي النهاية، كشفت اللعبة فأزيل قناع الشركات المشغلة وأستعيدت الشبكات للدولة، وفي هذه الحال توزعت المرجعية بين وزيري الاتصالات والمال، بدلا من حصرها بوزير الاتصالات فحسب، وأصبحت الموازنات خاضعة مباشرة للموازنة العامة. وهذه المقاربات هي عينها التي أدت الى تدمير قطاع الكهرباء”.
وقال: “معلوم انه في الدول التي تعاني ازمات مالية، يكون قطاع مثل قطاع الاتصالات منقذا من خلال خصخصته أو اشراك القطاع الخاص العالمي فيه بطريقة شفافة. في حالة لبنان يمكن أن يدخل هذا القطاع مليارات الدولارات الى الخزينة العامة في سنة واحدة في حال اشراك القطاع الخاص ويؤمن مدخولا سنويا يقارب 400 مليون دولار من خلال الضرائب والرسوم والمشاركة في العائدات. ان مقاربة كهذه تسهم في تخفيض الدين وكلفة خدمته وتؤمن تمويلا لتغطية شبكة أمان اجتماعية تساعد المواطنين على اجتياز الأزمة. وهكذا يمكن للدولة ان تحرر أصولها الثابتة لتؤمن مصالح شعبها وتخفف الهدر الناتج عن سوء ادارة القطاع العام. ما زلنا نتلهى بعقود تشغيل من هنا، ومحاولة ادارة مباشرة من هناك، ما سيجعل من قطاع الاتصالات، أشبه بقطاع الكهرباء اليوم، بعدما كان الرائد في المنطقة العربية منذ 20 عاما. والغريب ان اي حكومة منذ العام 2005 وحتى اليوم لم تقدم على خطوة جريئة كما قامت بها سائر بلدان العالم، وهي ادخال القطاع الخاص بالطريقة الصحيحة وليس عبر عقود تشغيل كما كان حاصلا في السابق”.
واضاف: “من يخاف من خصخصة الاتصالات او اشراك القطاع الخاص فيه، نذكره بأن شبكات الاتصالات ليست موارد طبيعية للدولة بل هي مجموعة معدات يتم استبدالها وتجديدها كل بضع سنوات. والمورد الطبيعي السيادي فيها هو الطيف الترددي الذي يستعمل للارسال، فتدفع الشركات رسوما للدولة مقابل استعماله. لذلك، ليس الأمر بيعا لأملاك الدولة، بل تخلصا من بنى تحتية تزداد كلفتها على الدولة واستبدالها بمردود فوري للخزينة. نحن اليوم في أمس الحاجة الى السيولة، وبكميات كبرى. فمن أين ستؤمن الدولة السيولة المطلوبة خلال المرحلة المقبلة؟ هل ستغامر هذه الحكومة بمد يدها على ودائع الناس بالرغم من التطمينات؟ أم تعلن الافلاس وتنتقص من سيادتها عندما تستلم زمام الانقاذ جهات خارجية؟ من الأفضل مئة مرة أن تسيل الدولة بعضا من أصولها الثابتة، كما فعلت كل الدول التي واجهت مشاكل مالية، بدل أن تمس أرزاق الناس الذين ضاقوا ذرعا من التمادي في استغلالهم من قبل من هو مؤتمن عليهم. نعم لتطبيق القانون 393 الذي يتيح بيع شبكات الخليوي أو أي قانون يساهم باستقطاب مليارات الدولارات فورا، بدلا من وضع اليد على أموال الناس”.
وتابع: “مخطىء وواهم من يدعو لتأميم هذا القطاع بحجة الحفاظ على السيادة، بعدما أكدنا ما هو الجزء السيادي فيه، ونعيد ونؤكد أن سيادة الدولة مهددة بأمور أهم بكثير من ذلك، اما على الصعيد المالي في حال الافلاس، أو من خلال أمور أخرى ساهمت بالوصول الى الوضع الذي نحن فيه وفي طليعتها وجود دويلة داخل الدولة ساهمت بضرب صورة لبنان وأفسدت علاقاته الخارجية مع المجتمعين الدولي وتحديدا العربي الشقيق”.
ورأى ان “مفهوم سيادة الدولة لن يستقر ويكتمل الا بحصرية السلاح بيد القوى الشرعية كما باعلان الحرب او عدمها وبتحديد سبل تحرير الأرض والدفاع عن السيادة ضد أي معتد. ان منح الحق لفئة من المواطنين اللبنانيين بالتفرد والاستنسابية في هذا الدور الحصري للدولة، ما هو الا تخل من الدولة عن مسؤولياتها ودورها، ويفتح المجال لمشاريع غريبة للتسلل من خلال هذا الباب السيادي. فلا يمكن أن نقبل بما تضمنه البيان الوزاري من كلام على هذا الموضوع، علما ان وزراءنا سبق ورفضوا ذلك في الحكومات السابقة. ومن باب السيادة أيضا، نجدد رفضنا لما يسمى بـ”صفقة القرن” التي كنا أول من اعتبر انها ولدت ميتة، لان التسويات بين الشعوب لا تقارب بمنطق الصفقات، بل تقارب بمفاهيم العدالة والمساواة والحقوق، وتكون تسويات تاريخية بين فريقين، وليس تسويات لا علاقة لها بالتاريخ ولا الجغرافيا وباستبعاد الطرف الاساسي عن الحل المطلوب. كما أن أي كلام عن التوطين من ضمن أي صفقة، يجمع على رفضه كل اللبنانيين”.
وقال: “ما فاجأنا أن الحكومة لم تتطرق الى قطاع الاتصالات، في بيانها الوزاري كجزء من الحل، واكتفت بذكر تطبيق القانون 431، القاضي بتعيين هيئة ناظمة وبتأسيس شركة “ليبان تيليكوم” بدلا من “أوجيرو”. وهذا أقل مما التزمت به حتى الحكومة الراحلة في ساعات احتضارها الأخيرة، والتي وضعت في خطتها الاصلاحية الشروع بخصخصة القطاع، لان في ذلك حلا ماليا فوريا بدل اللعب بمدخرات وأرزاق اللبنانيين. كما ذهبت بعيدا بإطلاق وعود بتأمين شبكة حماية اجتماعية تركز على الصحة والاسكان والدعم الاجتماعي وكأننا في دولة نفطية تهطل عليها الأموال من السماء. نعم نحن نريد تغطية صحية شاملة، وفريقنا السياسي هو من قدم الحلول في الحكومات السابقة ومجلس الوزراء، كما نؤمن بتأمين أدوية مجانية للأمراض السرطانية لأكثر من 20 ألف حالة سنويا ونؤمن بتعزيز الرعاية الصحية الأولية، ولكن من أين سيأتي التمويل؟ هل توهم هذه الحكومة نفسها بأن للبنان موارد مالية فائضة لتغطي الكلفة؟ وهل الجهات الممولة ستكون مستعدة لدعم لبنان في الظروف السياسية المحيطة بهذه الحكومة؟”.
واضاف: “هل تعلمون أن هذا المجلس أقر قرضا ميسرا ودعما من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار عام 2018 لدعم الرعاية الصحية الاولية والمستشفيات الحكومية ولم يتم استخدامه حتى الان لاسباب سياسية تتعلق بتزعزع الثقة الدولية، عندما انتقلت وزارة الصحة الى جهة سياسية معادية لغالبية الدول المانحة لهذا المشروع وورود طلبات غير منطقية من الجهة اللبنانية لتعديل وجهة الأموال. ولمن يشكك بذلك، فليسأل لماذا لم يتم صرف المبالغ بعد أكثر من سنة على اقرار هذا التمويل؟ ولماذا نتوقع من المجتمع الدولي أن يغدق علينا بالهبات والمساعدات لتأمين الحماية الاجتماعية ونحن لدينا أصول ثابتة على غرار الاتصالات، وما زال لبنان الدولة الوحيدة التي تملك شبكاتها بالكامل، بينما تعجز عن تأمين التمويل المطلوب لاستمراريتها”.
وتابع: “لا يمكن ان نمنح الثقة لحكومة غير قادرة على بلورة تصور واضح للنهوض بقطاع حيوي بأهمية قطاع الاتصالات ودوره في المساهمة بحل الأزمة – لا يمكن ان نمنح الثقة لحكومة تدرج وعودا كبيرة للمواطنين في بيانها الوزاري تحت عنوان تأمين شبكة حماية اجتماعية وصحية من دون توضيح مصادر التمويل وآليات التطبيق – لا يمكن ان نمنح الثقة لحكومة اتخذت خطوة الى الوراء في بيانها الوزاري بدلا من التقدم بمقاربة جديدة في قطاع حيوي كالاتصالات – لا يمكن ان نمنح الثقة لحكومة تخاف أن ينتقدها بعض التأميميين اذا اعتنقت الشراكة مع القطاع الخاص أو الخصخصة بمعايير دولية، علما أن دستورها يرعى الاقتصاد الحر – لا يمكن أن نمنح الثقة لحكومة، بيانها الوزاري قد يصلح لأيام عادية وليس لأزمة مصيرية تهدد استمرار الدولة – لا يمكن أن نمنح الثقة لحكومة ظاهرها تكنوقراطي مستقل، وباطنها بني على محاصصة الوزارات بين قوى سياسية متعددة – لا يمكننا اعطاء الثقة لحكومة بيانها الوزاري فسيفساء من عناوين غير مترابطة، لا يقدم رؤية نهضوية انقاذية مفصلة لاخراجنا من الأزمة”.
وختم: “بناء على كل ما تقدم من اسباب جوهرية، نحجب الثقة عن هذه الحكومة”.