كتبت آمال خليل في “الاخبار”:
تستضيف بلدية صور اليوم عرضاً لمشروع «إعادة ترتيب شاطئ رأس الجمل» في المدينة. المشروع الذي ينفذه مجلس الإنماء والإعمار وتشرف عليه البلدية، يهدف إلى تنظيم الاستراحات السياحية المنتشرة على جوانب الشاطئ الصخري عند الواجهة الغربية. يأمل أصحابه بإزالة التعديات الإسمنتية والبيئية. فيما يخشى الناشطون من أن يتعدّى المشروع نفسه على الشاطئ المصنّف أثرياً.
في صيف 2018، واجهت بلدية صور حملة اعتراضية ضخمة من بعض الجمعيات الأهلية والبيئية في المنطقة، ضد ما أشيع عن «قيام شركة فرنسية باستثمار منطقة رأس الجمل بهدف إعادة هيكلة شاطئها السياحي» وفق نائب صور المستقيل نواف الموسوي الذي قاد الحملة حينذاك. وأذكى الاعتراضات تزامن الحديث عن مشروع الجمل بخطة البلدية لتوسعة رصيف الكورنيش البحري الغربي وردم الشاطئ بمساحة تتراوح بين مترين وخمسة أمتار، في إطار مشروع ينفذه مجلس الإنماء والإعمار أيضاً. هدأت الحملة بعد تدخل حزب الله وحركة أمل وإعلان البلدية سحب مشروع الكورنيش من التداول وتجميد مشروع الجمل.
رأس الجمل عاد لـ«يطل» العام الماضي. ففي آذار 2019، وضع المجلس مخطط ترتيب الاستراحات على الشاطئ والذي يتوقع بأن ينجز قبل موسم الصيف المقبل. يوضح نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي بأن التأهيل سيحسّن المشهد العشوائي المتمدد على رأس الجمل منذ الثمانينيات، عندما ارتفع عدد الاستراحات من واحدة انتقلت من الكورنيش البحري، إلى سبع لم يتوانَ أصحابها عن صبّ الإسمنت على الصخور وفوق الشاطئ الذي تنتشر عليه بقايا صور القديمة والمرفأ المصري. وعلى مرّ السنوات، تمدّد هؤلاء، محوّلين الصخور إلى «تراس» للطاولات والكراسي وخيم وغرف استخدمت كمطاعم ومراحيض.
إزاء هذا المشهد، ما الذي سيغيره المشروع؟
بحسب صبراوي، ستُزال كل الإنشاءات الإسمنتية والخشبية وتقام بدلاً منها أكواخ تتراوح أقسامها بين الخشب والـ«ستانلس ستيل»، وتحدد مساحة الاستراحات بالتساوي حيث تصل إلى 120 متراً لكل منها تُقسم بين صالة شتوية وأخرى خارجية مكشوفة. كما سيُستحدث سنسول خشبي يربط بين كل استراحة والشاطئ مع إنشاء ممر للعموم ممن يرغبون بالسباحة على شاطئ الجمل من دون ارتياد الاستراحات. أبرز ما تحرص عليه البلدية من المشروع «منع تصريف المياه المبتذلة الناتجة عن عمل الاستراحات نحو البحر من دون معالجة» عبر وصل الاستراحات بشبكة الصرف الصحي العامة للمدينة. فيما يجري تداول اقتراح آخر يقوم على تخصيص محطة تكرير خاصة بكل استراحة. لا تقتصر خطة الترتيب على الشكل. بعد إنجازه، ستُعهد إدارة المشروع إلى بلدية صور. ويوضح صبراوي بأن أصحاب الاستراحات الحاليين لن يستبعدوا رغم أنهم ارتكبوا جرم التعدي على الملك العام. لكن ستُفرض عليهم بدلات مالية لاستثمار الاستراحات.
برغم نوايا الترتيب والتطوير، يخشى ناشطون من آثار المشروع. مسؤول جمعية «الجنوبيون الخضر» هشام يونس قال لـ«الأخبار»: «إننا مع تنظيم المنطقة ضمن رؤية تنظر إليها باعتبارها موقع إرث طبيعي وثقافي ويفترض بالتنفيذ أن يكون وفق معايير تمهّد لإدارة مستدامة للموقع بما يحفظ عناصره الطبيعية والثقافية ويحميها».
في المقابل، يعرب مسؤول المواقع الأثرية في صور علي بدوي عن اطمئنانه إلى المشروع الذي يستهدف أملاكاً بحرية عامة مصنفة كآثار لمصلحة المديرية العامة للآثار. ولفت إلى أن «واقع شاطئ الجمل حالياً سيئ جداً. تحويل الصرف الصحي والمياه المبتذلة أدى على مر السنوات إلى تلويث وتصحّر الشاطئ الذي كان مرتعاً للأعشاب البحرية ولا سيما التوتيا». وأوضح أن المديرية اطّلعت على مخطط المشروع الأولي ووضعت ملاحظاتها التي تحمي الآثار على الصخور وتحت المياه، ومنها رفع مستوى أرضية الاستراحات وتوفير خدمات صديقة للبيئة من شأنها «جذب السياح وتنظيم أنشطة الغطس تحت الماء لمشاهدة الآثار الغارقة».
يونس شدّد على ضرورة أن يتضمن المشروع إجراء دراسة تقييم أثر بيئي تُرفع إلى وزارة البيئة قبل إجراء أي أشغال، وفق مرسوم 8633 حول أصول تقييم الأثر البيئي وملحقاته وقانون حماية البيئة 444. فيما أكد بدوي أن الاستشاري المكلّف من قبل المجلس أجرى دراسة أثر بيئي.
اللافت أن النقاش لم يتطرق إلى تغريم أصحاب الاستراحات الذين شغلوا الملك العام من دون ترخيص ومن دون دفع أي بدل للدولة، وكانوا يمنعون العامة من ممارسة حقهم القانوني بالوصول إلى الشاطئ من دون عوائق، محتكرين رأس الجمل لمصلحتهم الخاصة. وفيما يجري التعاطي معهم على قاعدة عفا الله عمّا مضى، كان لافتاً أن بعضهم هدّد برفض إخلاء استراحته وإزالتها، ما دفع بالبلدية إلى طلب مؤازرة القوى الأمنية خلال تنفيذ الأشغال.