كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
من فوق إرادة الناس وبغطاء الدخان المسيل للدموع وحماية القوى الأمنية، عبر النواب إلى داخل المجلس المحاصر. وتحضيراً لمنح الحكومة ثقة النواب، إما تصويتاً وإما تأميناً للنصاب غير مكترثين بـ”لا ثقة” الناس، نام بعض النواب في المجلس ودخله بعضهم الآخر باكراً، بينما اضطر الأسوأ حظاً للفرار من قبضة الثوار ووضع مصيره رهناً ببراعة سائق سيارته. ولسوء حظ النائب سليم سعادة أنه وقع في قبضة الثوار ولم يتمكن سائقه من تخطيهم، فعلق بينهم قبل أن يتراجع للخلف تحت رشقات الحجارة، ما أدى لإصابته ونقله إلى المستشفى. لكن أمل الثوار بتعطيل الجلسة خاب، فعلى الرغم من افتتاح الجلسة من دون نصاب، كان دخول الحزب “الاشتراكي” القاعة بمثابة تأمين النصاب، فيما بان أنه اتفاق بين أركان السلطة على تأمين النصاب وعلى خطة الدخول إلى المجلس.
ونزل الثوار منذ الصباح الباكر لإغلاق مداخل المجلس النيابي، بعضهم بات ليلته في الخيم، ومثلهم بات نواب أيضاً ليلتهم في المجلس، خشية عدم تمكنهم من الوصول إلى الجلسة. هو حرص يكاد أن يصدق المواطن أنه لمصلحة الوطن، لولا ادراكه جيداّ بأنهم هم أنفسهم من عطل المجلس لسنوات وأمعن في انتهاك الدستور وأوصل البلد إلى هذا الخراب. وهو ما دفع الثوار لمحاولة منع عقد جلسة التصويت على منح الحكومة الثقة والتأكيد على أن لا ثقة، فالشعب، وحتى المحازب، فقد الثقة بالسلطة التي يراها تبدّل وجوهاً ولا تبدل مشروعاً.
وفي محاولة لمنع عقد الجلسة، نسّق الثوار هجماتهم على المواكب. ولدى رصد أي منها كان يكفي أن ينادي المتظاهر غيره ويركض باتجاه الموكب ليتبعه هؤلاء. فتمكن الثوار من إصابة عدد من سيارات النواب، وتحديداً في منطقة زقاق البلاط وعند الطريق البحرية بالقرب من الزيتونة باي. سلامة النواب ومصيرهم كانا بأيدي سائقيهم أيضاً، فمنهم من تمكن من اختراق الثوار وتجاوزهم والسير بسرعة جنونية من دون تردد، ومنهم من علق وسطهم، كسائق النائب سليم سعادة الذي تقدم باتجاه الثوار لكنهم تمكنوا من محاصرته ومنعه من إكمال طريقه، فتراجع للخلف تحت رشقات الحجارة ما تسبب بجرحه ودخوله المستشفى. وخرج سعادة بسرعة من المستشفى ونجح هذه المرة في الدخول إلى المجلس بعد بدء الجلسة، وألقى خطبته الساخرة. بدورهم، عمل مناصرو “حركة امل” في زقاق البلاط على الاعتداء مجدداً على الثوار لفتح الطريق أمام النواب خشية أن تطير الجلسة ما يشكل إفشالاً لزعيمهم رئيس المجلس. لكن مطاردة النواب وإن أشعرت الثوار بالرضى والفخر، خصوصاً وهم يشاهدون النواب يفرّون أمامهم، تبعتها خيبة أمل بعد معرفتهم بتأمين نواب “الحزب الاشتراكي” للنصاب اللازم، وبالتالي منح الحكومة الثقة وإن صوتوا باتجاه معاكس.
وخلال ما بدا أشبه بلعبة “لقيطة وغميضة” بين النواب والثوار، عملت قوى الأمن الداخلي على إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين وإبعادهم عن الطرقات ومداخل المجلس لمرور النواب وخوفاً من اقتحامه. وبعد نحو 116 يوماً من الاحتجاجات والاشتباكات المتكررة، لم تفرغ جعبة قوى الأمن من قنابل الغاز المسيل للدموع. فرميت القنابل بكثافة أمام مبنى جريدة النهار وفي ساحتي رياض الصلح والشهداء وعلى الطريق البحرية بالقرب من الزيتونة باي، لتعبق شوارع وسط العاصمة بروائحها. وعلى الرغم من الضرب والاعتقالات وسقوط جرحى، بدا وكأن السلطة التي نشرت مخبريها بكثافة في شوارع العاصمة وحول المجلس، تحاول قمع الانتفاضة بأساليب لا تضطرها لخوض اشتباكات مباشرة مع المتظاهرين.
وإذ يعتبر الثوار أن رئيس الجمهورية ميشال عون، مصرّ على وضع الجيش على الطرقات بمواجهة الناس حرصاً على مصالح سياسية، قامت مجموعة منهم بمحاولة الرد على قرارات عون بإعادة نشر كلام قاله في العام 2015. حيث يحذر عون قائد الجيش في حينها، جان قهوجي، من وضع الجيش بمواجهة المتظاهرين لأنه بذلك يسيّس الجيش. وقال عون يومها “إياك يا جان قهوجي أن تنزل الجيش بوجه مظاهرة تعبر عن انقراض السلطة في لبنان وعن انقلاب، أنت تسيّس الجيش لأنك تضعه بخدمة سياسيين بطريقة غير شرعية”.
وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية، نجح الثوار بإزالة بعض العوائق الإسمنتية والبوابات أمام المجلس، وأحرقوا أحد فروع مصرف بلوم بنك وسط بيروت. وفي حين نجحت السلطة في منح حكومتها ثقتها، تفقد الحكومة كما المجلس ثقة الشعب. الأمر الذي ينذر بأن يبقى المجلس والسراي الحكومي تحت الحصار، وأن يضطر النواب والوزراء مجدداً للفرار من أمام الثوار بغية الدخول إليهما وربما إلى غيرها من المقار.