كتبت رنى سعرتي في الجمهورية:
فيما بدأت تظهر الى العلن تأكيدات حكومية على انّ لبنان سيطلب دعماً فنياً من صندوق النقد الدولي لوضع خطة إنقاذ ومشورة، في شأن ما إذا كان يجب تسديد استحقاقات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار، اعلنت جمعية المصارف موقفها، مؤكّدة وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله.
أصدرت جمعية مصارف لبنان بياناً امس، حول استحقاق اليوروبوند في آذار، جاء فيه: «يواجه لبنان في الأسابيع المقبلة استحقاقات مالية داهمة، أهمها اتخاذ قرار بموضوع سندات اليوروبوند التي تستحق في شهر آذار والتي تثير جدلاً واسعاً حول وجوب أو عدم وجوب تسديدها من فرقاء عديدين على خلاف ما كان معلناً من الدولة في السابق، أنّ الوفاء بالتزامات لبنان المالية هو سياسة دائمة وثابتة».
اضاف البيان: «انّ التخلّف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكّل حدثاً جللاً تتوجب مقاربته بكثير من الدقّة والتحسب، وأنّ المطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. ويتطلّب إنجاز هذا الأمر وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى، وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصة، من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية. ومن الطبيعي أنّ الفترة المتبقية حتى استحقاق الدين في آذار هي فترة قصيرة جداً لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءة مع هذه القضية الوطنية الهامة».
وتابع: «لذلك، فإنّ جمعية مصارف لبنان – حماية لمصالح المودعين ومحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية، وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة، وجلَّها من الدائنين الخارجيين – ترى وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله.
كما تشير الجمعية، إلى أنّ التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قِبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة، يشكّل مؤشراً هاماً إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلاً».
مجموعة نقاش غير رسمية
وقد اعلنت شركتا «غريلوك كابيتال» و«مانجارت أدفيسورز»، إنّ مجموعة من الدائنين الدوليين للبنان، تشمل الشركتين، نظّمت «مجموعة نقاش غير رسمية» مع استمرار تفاقم وضع ديون البلاد. وقال بيان صادر عن الشركتين، إنّ المجموعة «ستبدأ تقييم خيارات في شأن كيفية إدارة المقرضين لتطورات الوضع في لبنان. هذه المجموعة ستسّهل التواصل بين الدائنين المختلفين وعلى أهبة الاستعداد للانخراط في أي مباحثات مع الجمهورية اللبنانية».
إيراديان
في هذا الاطار، رأى كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (Institute of International Finance IIF)، غربيس ايراديان، انّ الأزمة أصبحت عميقة ولا يملك لبنان خيارات في ما يتعلّق باستحقاق اليوروبوند في آذار المقبل. مشيراً الى انّ التأخير عن السداد لمدّة 7 ايام يُعتبر تخلّفاً، كما انّ دفع حصّة الاجانب وإعادة جدولة الحصّة المحلية من السندات، هو تخلّف انتقائي ايضاً، ومجرّد عدم اتخاذ قرار في هذا الشأن يعطي مؤشرات سلبية، لافتاً الى انّ إعادة الهيكلة أو التجميد باتا أمرين غير واردين لأنّهما يحتاجان الى تحضيرات كان يجب ان تبدأ قبل أسابيع».
واعتبر ايراديان، انّ الوضع خطير جداّ وسيئ جدّا، حيث تراجعت ودائع المصارف منذ اواخر كانون الاول 2019 ولغاية اواخر كانون الثاني 2020 بنسبة 11 في المئة اي حوالى 18 مليار دولار، «ومن المرجح استمرار هذا المسار الانحداري. وبالتالي سنرى في غضون سنتين الى ثلاث سنوات تقلّصاً في حجم القطاع المصرفي من 3 اضعاف نسبة الناتج المحلي الاجمالي الى 1.5 ضعفي الناتج المحلي، وذلك بسبب انعدام التدفقات المالية من الخارج، هذا اذا لم يتمّ إجراء اصلاحات جدية، ولم تتمّ استعادة الثقة وتحسّن القطاع الخاص».
واكّد ايراديان انّ الضوابط على رأس المال ستبقى قائمة لأكثر من عام، مشيراً الى انّها استمرّت في قبرص لعامين، وفي اليونان 6 اعوام. كما انّ اجمالي الودائع تقلّص الى حوالى النصف في البلدين.
ورأى ايراديان، انّ الحكومة يجب ان تبدأ في أسرع وقت ممكن عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي للتوصل الى خريطة طريق للخروج من الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية الحالية، مشدّدا على «انّ الحديث عن انّ اجراءات صندوق النقد غالباً ما تكون قاسية ومجحفة، غير صحيح. كما انّه من غير الدقيق ما يتمّ تداوله عن انّ الولايات المتحدة هي من تملك القرار النهائي في قرارات صندوق النقد الدولي». ولفت الى انّ الولايات المتحدة تملك فقط 16 في المئة من حق التصويت voting power ضمن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، «وبالتالي هناك نسبة 84 في المئة موزعة بين الدول الاخرى مثل اليابان وروسيا والصين والدول الاوروبية والدول الناشئة. وبالتالي، فانّ اي قرار يحتاج الى أغلبية بسيطة من الاصوات، وفي حال رفض الاميركيون إقرار اي برنامج انقاذ للبنان، فهذا لا يعني انّ صندوق النقد لا يمكنه الشروع بالبرنامج».
مساعدة فنية
في هذا الاطار، قال مصدر حكومي لـ«رويترز» امس، إنّ لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتحقيق الاستقرار في ما يتعلق بأزمته المالية والاقتصادية، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام.
وقال المصدر: «هناك تواصل مع صندوق النقد الدولي، لكن لبنان سيرسل طلباً رسمياً خلال الساعات المقبلة ليكون لديه فريق مخصص للتعامل مع المساعدة الفنية». أضاف المصدر الحكومي: «إنّ لبنان يسعى الى مشورة من صندوق النقد الدولي «بشأن ما إذا كان سيسدّد استحقاقات السندات الدولية في ظل مخاوف من أنّ أي إعادة صياغة لديون لبنان يجب أن تتمّ بطريقة منظّمة لتجنّب إلحاق أضرار بالنظام المصرفي للبلاد».