كتب جوزف طوق في الجمهورية:
هناك شيء إسمه «بالجرم المشهود» لم تسمع به دولتنا، فساعة تشيح نظرها وساعة تصمّ آذانها وساعة تغلق عقلها وقلبها، ولا ترضى بأي شكل من الأشكال أن ترى الجرائم على حقيقتها.
نرى الأزعر فيطلقون الرصاص المطاطي على أعيننا، نفضح جرائم الأزعر فيغشون بصرنا بالقنابل المسيّلة للدموع، ندلّ الى تجاوزات الأزعر فيعموننا بخراطيم المياه.
أصابعنا ممدودة، وميكروفوناتنا مصوّبة، وكاميراتنا موجّهة إلى الزعران وأفعالهم، نضبطهم دائماً بفعلتهم ونرفع الصوت ونطالب بمحاسبتهم ومعاقبتهم، فتأتي الدولة وتجد لنا مليون عذر وعذر حتى لا تقوم بواجبها.
يستشهد 3 عناصر شرفاء أنقياء من الجيش اللبناني في منطقة البقاع بغدر السلاح المتفلّت والخارج عن منطق الدولة وشرائعها… مجموعة من الزعران التي لا ترضى بمنطق القانون، تغدر بأشرف الناس في الجمهورية اللبنانية، وتقتل بدم بارد وعقل مستهتر 3 جنود وضعوا كفّهم على يدهم من أجل السهر على أمان المواطنين. الدولة تخسر 3 عناصر مما تبقّى من أساسات هذه الدولة وضمانة مستقبلها، فلا نسمع بياناً ولا نرى تحرّكاً رسمياً ولا قضائياً، ولا حتى استنكاراً من نوّاب المنطقة ومسؤوليها، كما لو أنّ الجريمة في البقاع أصبحت طبيعية ومسموحة ومتوقّعة، وكما لو أنّ المطلوب منّا أن نصبح معتادين على هذه التعديّات بحكم الأمر الواقع، وبحكم السلاح غير الشرعي المشروع، الذي يقضي على أي مشروع شرعي.
ضابط نزيه من قوى الأمن الداخلي يستشهد مغدوراً خلف مكتبه في منطقة الأوزاعي… ضابط يُقتل في مركز عمله وبين جنوده وأمام أعين المساجين على يد أزعر هائم على وجه الجمهورية اللبنانية. تُهان هيبة الدولة وسطوة الأمن في عقر دار العسكر، ويكاد الخبر يكون زينة لنشرات الأخبار، نمرّ عليه كما نمرّ على ما سبقه وربما ما سيلحقه، نعدّ شهداء ونتفرّج على زعران، نمارس عمليات حسابية في ربح وخسارة الأرواح، بعد أن أفرغنا إهمال الدولة من تعاطفنا… نمدّ أصابعنا نحو المجرمين، نفضحهم بالإسم والوجه وعنوان السكن، ننتظر جواباً أو ردّ فعل أو مبادرة، ولا نحصل سوى على صمت يعكّره صوت زيز في الليل.
يسرق زعران المصارف ودائع اللبنانيين ومدخرات حياتهم، يهينونهم كل صباح ويذلّونهم قبل موعد الظهر، يمنّونهم من جيبهم ومن شقاء عمرهم ومن مرتباتهم… يعلو صراخ الناس من الفقر والحرمان، فلا تجد الدولة وسيلة سوى رفع صوتها فوق صوت الناس لإقناعهم بأنّ ما يحصل معهم مجرّد توهمات تحتاج لعلاج عند طبيب نفسي.
يتمادى زعران السياسة في خرق الدستور والإستيلاء على حقوق الناس، فيشرّعون حسب الحاجة، ويصرّحون حسب التحالفات، ويخطبون حسب المكتسبات والسرقات والتنفيعات… يحاضرون بالعفة وهم ساكنون في ماخور الفساد، ويبشّرون بالإزدهار والبحبوحة وهم يسبحون في خطايا الأمس. يحلّلون ما يناسبهم ويحرّمون ما يُزعج زعاماتهم، يسمحون بالتظاهر لما يخدم مصالحهم ويزعج خصومهم، ويمنعون الاعتراض إذا ما اقترب الى أبراجهم المقدّسة…
تركت الدولة كل هؤلاء الزعران لتقبض على الأزعر الموجوع ، والأزعر الجائع، والأزعر الفقير، والأزعر القرفان، والأزعر المخنوق، والأزعر الحرّ، وكل أزعر هارب من سطوة الطائفية.
البلد مكتظ بزعران يقتلون الجيش وقوى الأمن الداخلي، زعران يسرقون أموال الشعب، زعران يحتكرون السياسة لمنافعهم وجيوبهم، زعران يرفسون القوانين ويروّضون الفساد، زعران يلبسون ثياب محازبين يعتدون على الناس والأملاك العامة والخاصة… والدولة ليست مسؤولة سوى عن توقيف واعتقال ومحاسبة كلّ من يرمي بيضة على موكب، أو يشعل إطاراً في وسط الطريق، أو يرفع صوته في أوكار الفساد والسرقات، أو يحمل شعاراً يخدش حياء صورة البلد النزيهة، أو يكتب تعليقاً لا يعجب زوجة الزعيم أو المسؤول.
زعران زعران في كلّ مكان، وما من أزعر يحاسبهم؟!