Site icon IMLebanon

“الحزب” والحريرية: علاقة “لحس المبرد”؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

لم يشهد تاريخ لبنان التباساً حقيقياً في العلاقة بين طرفين محليين كالذي شهدته العلاقة بين الحريري الأب والحريري الإبن من جهة، وبين “حزب الله” من جهة أخرى. علاقة اتسمت بكثير من الفتور والتباعد، والاقتراب الحذر المسكون بكثير من الحسابات ومحاولة إظهار حسن النية.

تميّزت العلاقة بين “حزب الله” والحريرية في مسارها المتعرّج بحرص شديد من “الحزب” على التقرّب إلى العائلة وأفرادها، في حين لم تبادر الأخيرة إلى الأمر ذاته. لتغدو العلاقة أكثر تشدّداً وجفاء من قبل أركان “المستقبل” وقياداته تجاه “حزب الله”، ولا سيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14شباط 2005. هو ليس هبوطاً حاداً في العلاقة وليس صعوداً ملحوظاً فيها، إنما وهن على وهن والكثير من الريبة والشك، التودّد والتبريرات، أما النوايا الفعلية فيبقى علمها عند الله.

مرّت العلاقة بين “حزب الله” والحريرية السياسية بمجموعة مراحل. كانت البداية منذ العام 1992 حين كان “حزب الله” يشكك بدور رفيق الحريري الذي أتى إلى سدة رئاسة الحكومة ومعه ظهر إلى العلن مشروع السلام في الشرق الأوسط فيما كانت المقاومة في ذروة صعودها. كانت علاقة شكوك غير مستقيمة على حال، حيث كان “حزب الله” جزءاً من المعارضة للحريرية السياسية ثم الاقتصادية لاحقاً.

في مرحلة من المراحل لم يوفّر رفيق الحريري فرصة للهجوم على “حزب الله” الذي لم يوفّر في المقابل أي فرصة لمهاجمة سياسته الاقتصادية. ولكن هذا لم يحل دون وجود فترات متباعدة من التفاهمات الجزئية والمحدودة. في تلك الحقبة كان الحريري الأب مسنوداً على مرجعية مدريد ومشروع السلام الذي لم يؤمن به “حزب الله”، كما كان الحريري يتّكل على دعم سعودي – سوري وعلاقة وطيدة مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وكل من اللواء حكمت الشهابي وغازي كنعان وعبد الحليم خدام الذين لم يكونوا على ود وتقدير للمقاومة. تركيبة سياسية لم يكن “حزب الله” منسجماً معها.

كانت الخلافات عميقة سياسياً وإقتصادياً لا سيما مع بروز مشروع سوليدير والاستدانة من الخارج ومشاريع الاعمار والبنى التحتية، وملاحظات “حزب الله” الذي كان ينتقد إهمال الحريري للمناطق الريفية في مشاريعه الانمائية، مركزاً على القطاعات التجارية والسياحية على حساب القطاعات الانتاجية والزراعية. كان الخلاف عميقاً بين فريق داخل السلطة هو الحريري وفريق خارجه هو “حزب الله”، وحين انتهى عهد الرئيسين اللبناني الياس الهراوي والسوري حافظ الأسد، وبدأ عهد الرئيسين اميل لحود وبشار الأسد بدأت الأمور تتغير داخل سوريا ولبنان. تقدم مشروع لحود على مشروع الحريري. صار سليم الحص رئيساً للحكومة والحريري خارج السلطة.

لطالما كان “حزب الله” في الصف المعارض للسياسة الحريرية المالية والاقتصادية، والعلاقة بين الطرفين شابتها الصراعات والمناوشات الإعلامية المتعددة. في ما بعد بدأت العلاقة تأخذ بعداً استثنائياً مع بداية ظهور ملامح القرار 1559، ومشروع انسحاب السوريين من لبنان.

خضعت العلاقة لمراجعة من قبل الطرفين فبدأت تتحسن الظروف، وتكلّلت بخمس وعشرين جلسة بين الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وبين الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان الشاهد عليها الحاج حسين الخليل والصحافي الراحل مصطفى ناصر، لقاءات كان يجري فيها تبادل وجهات النظر، خصوصاً بعد الانتصار الذي حققته المقاومة العام 2000 وتعزيز وضعيتها السياسية والشعبية، وهو ما برز جلياً خلال فترة الانتخابات النيابية. وبرزت في تلك الفترة مقولة الحريري للسيّد نصرالله “أنا جبل وأنت جبل، فلتضع يدك في يدي لما فيه مصلحة البلد”، حتى بات يقال إن الحريري دفع في اغتياله ثمن اقترابه من “حزب الله”.

أرسى رفيق الحريري مع “حزب الله” نوعاً من التفاهم السياسي جعل السيّد يصف اغتيال الحريري في الرابع عشر من شباط 2005 بأنه “زلزال على مستوى المنطقة”.

 

مرحلة الإبن

إنتهت مرحلة الأب، وخلال أول لقاء مع الابن الوافد حديثاً الى عالم السياسة نال “حزب الله” وعداً منه بأن يكمل مسيرة والده “اللي عملوا بيي رح كمّل فيه”. لكن “الوعد لم يطبّق” بالنسبة للعلاقة مع “الحزب”. صودف أن سعد الحريري جاء إلى السلطة على دم والده الذي وجهت أصابع الاتهام إلى “حزب الله” باغتياله. وبين من يقول “شكراً سوريا” ويبارك انسحابها بلغ الانقسام أوجه في لبنان بين فريقي الثامن من آذار والرابع عشر منه، فكان الإستيعاب عن طريق الحلف الرباعي (أمل – حزب الله – الاشتراكي والمستقبل)، الذي أمن استقراراً نسبياً في لبنان وتبلور في تحالف انتخابي العام 2005. سُمي فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة وشكلت حكومة من دون “التيار الوطني الحر”، في حين انقلب الوزيران المحسوبان على الرئيس لحود (الياس المر وشارل رزق) وانضما الى فريق “14 آذار”. شهد السادس من شباط 2006 تغييراً مفصلياً في الحياة السياسية اللبنانية حيث انتقل ميشال عون من الموقع الوسطي إلى توقيع وثيقة تفاهم مع “حزب الله”، قبل أن تندلع حرب تموز في مواجهة اسرائيل “صار الخلاف على أشده بين “حزب الله “وافريق الحريري، خصوصاً مع اعتبار حزب الله حرب تموز حرباً مصيرية، فيما كانت بالنسبة إلى الفريق الآخر فرصة للتخلص منه ما أدى الى شرخ بين الفريقين”. وبناءً على الأداء والمواقف التي انطلقت خلال هذه الحرب وما تلاها أصرّ “حزب الله” على نيل الثلث الضامن في الحكومات التي باتت تشكّل، وعلى تمثيل “التيار الوطني الحر” في الحكومة لينتقل الخلاف بين الحريري و”حزب الله” في مراحل عدة الى الشارع.

ويوم عاد الحريري الى رئاسة الحكومة أخذت علاقة “حزب الله” بالحريري تتحسن تدريجياً خصوصاً مع شهادته أمام المحكمة الدولية وقوله من على بابها: “انا مسؤول عن البلد حتى ولو المحكمة أصدرت حكمها فأعتبره حكماً بحق أفراد وليس اتهاماً لحزب”.

تبلور التفاهم في مشاركة “حزب الله” في حكومات الحريري واعطائه الثقة لمرة واحدة لتتسّم العلاقة بعدها بالمد والجزر، “وفي الآونة الأخيرة كنا متمسكين باستقرار الحكومة وحريصين على بقائها غير أن الحريري فضّل الاستقالة”.

 

الخلاف الجوهري

شكلت الحرب في سوريا نقطة خلاف جوهرية بين “حزب الله” والحريري ما أحدث انقساماً حاداً في لبنان بين فريق يرفض التدخل، وآخر دخل مباشرة في صلب الأزمة فكانت نظرية النأي بالنفس. غير أن نقاط خلاف جوهرية لا تزال تحكم علاقتهما معاً هي بالنسبة إلى “حزب الله”:

الموضوع الإقتصادي، حيث أن الابن سرّ أبيه في الاتجاه نحو الاستدانة ودعم قطاعات على حساب أخرى، ولو انها مشكلة تعود الى زمن الاستقلال مع فارق أن زمن الأب شهد وفرة في الأموال، فيما غلب الشحّ على زمن الإبن.

أما بالنسبة إلى العلاقة مع سوريا التي يراها “حزب الله” “ضرورة سياسياً واقتصادياً”، فيربطها الحريري بانفتاح دول الخليج والمملكة السعودية على سوريا، علماً أن “الحريري زار سوريا والتقى رئيسها، والعلاقة السورية مع الامارات بدأت تعود تدريجياً وقنوات التواصل مع المملكة موجودة أيضاً”.

هناك أيضاً الموقف من دول الخليج حيث “لم يكن لحزب الله موقف من السعودية لولا انها شاركت في الحرب على اليمن” فشنّ نصرالله حملات مستمره عليها وفي كل مرة كان الحريري يضطر إلى الدفاع عن المملكة.

عديدة هي المحطات الخلافية لكن “حزب الله” وفي كل مرة كان “يصرّ على وجود الحريري على رأس الحكومة أو من يسميه”، ويقول قريبون من “حزب الله”: “حين تمّ احتجاز الحريري نهاية العام 2017 في السعودية وقدم استقالته مكرهاً، كنا في الفريق الذي أوقف الإستقالة وكان يشيد عن طريق وسطاء بموقف حزب الله”. ورغم كل المطبات بقي “حزب الله” متمسكاً ومصراً في كل الأحيان على عودة الحريري رئيساً للوزراء، كما حصل عقب استقالته من الحكومة بعد 17 تشرين، إلا أن الأخير تمنّع رغم التودّد والترغيب لينأى بنفسه عمّا هو آت الى بلد كانت الحريرية ونهجها أبرز حكامه على مدى ثلاثين عاماً تقريباً. يعتبر “حزب الله” أن “الحريري فريق سياسي أساسي، له تمثيل شعبي مهم والتفاهم معه لا بد منه. سنكون مختلفين على عدد من النقاط وسنبقى، لكن هذا لا يحول دون أن نكون متفقين على تنظيم الخلاف”.

في ذكرى اغتيال الحريري الأب هل يستعيد الحريري الابن عصبه من خلال اللعب على الوتر الطائفي ويستحضر الأيام السابقة، ليؤكد انه الزعيم الأقوى في الطائفة السنية من خلال توسل مهاجمة “حزب الله” فيحصد هدفين عزيزين. الأول محلي عبر استعادة العصب الجماهيري، والثاني إقليمي عبر العودة لكسب ود المملكة العربية السعودية؟ وهل ينطبق على العلاقة بين الحريري و”حزب الله” ما ينطبق على مثل “لاحس المبرد”؟.

يقول وسطاء: “لم يعد للحريري سوى حزب الله، ولا غنى لحزب الله عن زعامة الحريري. كل التوتر يتجاوزه الحريري من خلال حزب الله وعبره ومعه، وكذلك يفعل حزب الله، هي حاجة مشتركة الى علاقة يحافظ عليها الطرفان وأداً للفتنة السنية – الشيعية، ولهذا أوصى الحريري جماعته أخيراً بتجنّب أي تصادم أو خطاب متوتّر مع “حزب الله” من شأنه أن يؤدي إلى اشتباك سنّي – شيعي”.