كتب نذير رضا في “الشرق الاوسط”:
أعادت ثقة البرلمان بحكومة الرئيس حسان دياب أول من أمس، المعارضة إلى داخل المؤسسات، إثر انقسام القوى السياسية بين مؤيد للحكومة ومشارك فيها من جهة، وبين من يعتبر أن توليفتها عاجزة عن النهوض بالأزمات الاقتصادية والمعيشية والمالية.
وبعد أربعة أشهر من استحواذ الشارع على دور المعارضة، أظهرت جلسة مناقشة البيان الوزاري أول من أمس، تفعيلاً للمعارضة من داخل المؤسسات، يجتمع على عناوينها «تيار المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الكتائب» وشخصيات سياسية مستقلة أخرى. غير أن تلك القوى لا يجمعها أي إطار تنظيمي حتى هذا الوقت، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ«الشرق الأوسط» مؤكدة أن كل فريق، حتى هذه اللحظة «سيعارض وفق توجهاته ورؤيته»، مشيرة إلى أن «تلك القوى ستتقاطع على بعض العناوين، وربما تفترق على أخرى».
وبمعزل عن التباين على عناوين سياسية مرتبطة بالداخل اللبناني وخارجه، إلا أن التحديات الأبرز التي تواجه الحكومة هي المعالجة الاقتصادية التي تحتاج في بعض جوانبها إلى تثبيت موقف سياسي على مستوى الدولة يستدرج مساعدات خارجية، يعتقد كثيرون أن من دونها «لا يمكن تجاوز الأزمات الراهنة».
ويؤكد عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله أنه «لا تعويل على مساعدة من الخارج، سواء عربية أو دولية، قبل اتخاذ الدولة اللبنانية قراراً جدياً بالنأي بالنفس»، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن يكون لبنان جزءاً من محور، أو منسجماً معه، وفي الوقت نفسه يطلب مساعدات من محور آخر». وقال عبد الله إن «هناك عدواً واحداً يتفق عليه كل اللبنانيين (إسرائيل) ويتفقون على مواجهته، لذلك فإن حماية البلد تتطلب بالحدّ الأدنى تحييد لبنان ورفع سقف الحياد أكثر لنتمكن من النهوض اقتصاديا»، مشدداً على أن «الفاتورة الاقتصادية الناتجة عن عدم النأي بالنفس ثمينة جداً».
ويحتل هذا العنوان جزءاً من الآلية السياسية التي ستتبعها المعارضة بهدف الحث على معالجة اقتصادية وحماية البلد من الانهيار، وتأخذ ميدانها داخل المؤسسات «حتى إشعار آخر»، لأن البديل عن المؤسسات سيكون «الفوضى والخراب». وستحتل ملفات الفساد واهتراء المؤسسات والهدر أساساً في العمل المعارض، وهي مشاكل في الدولة يراها عبد الله «نتيجة للنظام الطائفي الذي لا يمكن تطويره إلا بالأطر الديمقراطية داخل المؤسسات لأننا نخوض الآن معركة إنقاذ لبنان». ويقول عبد الله: «هذه المعركة تتطلب العمل الملح للخروج من الأزمة النقدية والحفاظ على لقمة عيش الناس» مستبعداً الضغط بالشارع بعد 17 (أكتوبر) تشرين الأول (تاريخ اندلاع الانتفاضة اللبنانية) لأنه «ليس المطلوب أن يُسيّس الشارع، ولا نهدف للتسلق على الانتفاضة، علما بأن العناوين التي طرحها المحتجون ترفع المعنويات وتلتقي مع شعاراتنا وأسسنا التي رفعها الراحل كمال جنبلاط». وخلافاً لـ«الاشتراكي»، يعتبر حزب «القوات» أن مشاركة مناصرين له في تحركات سلمية محتملة في الشارع، من دون الدعوة الحزبية لها «واحدة من الوسائل التي يتيحها القانون». ويؤكد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب أنطوان حبشي أن التكتل «لن يوفر وسيلة قانونية للمعارضة يتيحها القانون وتؤسس لدولة قوية وتنتظم في إطار مؤسساتي إلا وسيستخدمها» في المرحلة الراهنة والمقبلة. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن آليات المعارضة «تبدأ من متابعة ملفات الفساد والاحتكام للقانون واطلاع الرأي العام عليها وتصل إلى العصيان المدني على مراحل»، مشدداً على أن «آليات الضغط ستكون من داخل المؤسسات».
ويشدد حبشي على أن الضغط يسعى إلى «مكافحة ملفات الفساد بشكل جدي، وتلك التي يطالب الشعب اللبناني بها»، مذكراً بأن التجارب السابقة «أفضت إلى أن هناك بعض الملفات حول الفساد والهدر كانت تُهمل في النيابات العامة، لأن القضاء غير مستقل عن السلطة التنفيذية وتستعمله أحياناً للتحكم بسياستها التنفيذية». ودعا الشعب اللبناني المنتفض «لمواكبة أعضاء تكتل الجمهورية القوية لأننا سنكشف، ضمن آليات معارضتنا، كل ملفات الفساد الموثقة التي نستطيع الحصول عليها، وسنحملها إلى القضاء على أمل أن يبتّ القضاء بها».
وإزاء رؤية أقطاب سياسية إلى أن هذه الحكومة هي حكومة «إدارة أزمة» بما يتخطى كونها «حكومة إنقاذ» كما وصفها رئيسها، يقول حبشي «إننا نتمنى أن تكون حكومة إنقاذ، والشارع كان يريدها أن تتمتع بتخصصية واستقلالية كي تكون كذلك، لكن البيان الوزاري لم يظهر ذلك، وهي قيد الامتحان الآن». وقال: «أساس معالجة الأزمة يتطلب ثقة الناس والمجتمع الدولي، لكن فقدانها للاستقلالية والتخصصية يشير إلى أن مصدر الثقة غير موجود، وهو ما يستدعي تفعيل المعارضة في داخل المؤسسات لنتمكن من إنقاذ البلاد».
وفي ظل الاستحقاقات التي نفذت، رُصد انكفاء في الشارع بانتظار متغيرات أخرى تعيد تفعيله مرة ثانية، رغم أن الناشطين المدنيين ينفون الانكفاء بمعنى نعي التحركات، كون «الحركة بالشارع لطالما كانت تتغير بحسب الاستحقاقات السياسية وحركة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتنتظم مع هذه المتغيرات»، بحسب ما يقول الناشط في «بيروت مدينتي» الدكتور جيلبير ضومط، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المتغير الأساسي الذي طرأ بعد جلسة الثقة أن «الناس سحبت الشرعية من الحكومة والمجلس النيابي، في وقت يتصدر مضي الحكومة نحو الانهيار احتمالات المشهد المقبل، ذلك أن نفس التركيبة والمنظومة لا تزال قائمة، ويصعب عبرها استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد واتخاذ إجراءات تخرجنا من الأزمة». وقال إن الأمل الأخير كان بإيقاف الثقة بهدف تقصير وجود الحكومة لتفادي الانهيار «أما الأمل الباقي فهو باستقالتها أو بالذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، ونواصل تمسكنا بحكومة إنقاذية عاجلا أم آجلاً لتفادي الوصول إلى الهاوية».