خاص IMLebanon:
تتخبط الحكومة اللبنانية هذه الأيام أمام ملف سندات اليوروبوندز التي تستحق في 9 آذار المقبل، ويقف المسؤولون وكأنهم أمام وردة “المارغريت” يحتارون “ندفع… لا ندفع”، بفعل الضغوط الشعبوية التي تتعرض لها الحكومة، في حين يغيب أي نقاش علمي هادئ حول القرار الذي يجب اتخاذه بعيداً عن الخوف من الشارع والتحريض الذي تمارسه وسائل الاعلام الدائرة في فلك “حزب الله” منذ أشهر ضد القطاع المصرفي. وللتهرّب من اتخاذ القرار العلمي بالسرعة المطلوبة أمام الاستحقاق الداهم، لجأت الحكومة إلى منطق “تشكيل لجنة” لدراسة الموضوع، بناء على القاعدة اللبنانية الشهيرة “اللجان مقبرة المشاريع”، ومنحتها مهلة أسبوعين تنتهي في نهاية شباط الحالي، لتبقى بعدها مهلة أسبوع واحد قبل الاستحقاق!
ثمة حقائق لا يعرفها اللبنانيون حول ملف السندات السيادية للدولة اللبنانية، أي سندات اليوروبوندز، ويجب التوقف عندها بهدوء:
ـ الحقيقة الأولى أنه إذا تم اتخاذ قرار بعدم الدفع من دون إجراءات مفاوضات مع الجهات الدائنة لإعادة هيكلة الدين، تستحق عندها فوراً كل سندات الدولة اللبنانية (لأيار وحزيران المقبلين، وللـ2021 وللـ2025 وللـ2030 وكل السندات)، ما يرتّب أعباء هائلة ويفتح باب الدعاوى القانونية في الخارج على الدولة اللبنانية، والأخطر من ذلك أن الواقع المترتب عن عدم الدفع من دون مفاوضات جدية يجعل كل السندات السيادية للدولة اللبنانية تخسر فوراً من قيمتها الفعلية ما لا يقلّ عم 80 الى 90 في المئة، ما يعني انهيار القطاع المصرفي في لبنان نهائياً كونه الدائن الأول للدولة اللبنانية، وما يعني خسارة المودعين لودائعهم بالكامل.
ـ الحقيقة الثانية هي أن لبنان هو بصدد التوجّه إلى صندوق النقد الدولي لمساعدته (ينتظر منه قروضاً ميسرة بحوالى 6 مليا دولار)، تماماً كما لا يزال ينتظر المساعدات التي أقرّها مؤتمر “سيدر” (11 مليار دولار)، ويأمل بالحصول على مساعدات وقروض من جهات ودول مانحة كالدول العربية الخليجية. وبالتالي في حال كان لبنان تخلّف عن سداد سنداته من دون مفاوضات فإن عملية حصوله على قروض من جديد ستصبح مهمة مستحيلة، وبالتالي تصبح عملية الإنقاذ مستحيلة، وهذا ما لا طاقة للدولة ولأي لبناني على احتماله، تماماً كحال أي انسان في العالم في حال تخلّف عن سداد أي من قروضه لأي مصرف فإن اسمه يدخل اللائحة السوداء ويصبح مستحيلاً بالنسبة إليه أن يحصل على أي قرض من جديد!
ـ الحقيقة الثالثة، وهي ردّ على المنظرين بأن ثمة دول تخلّفت عن سداد سنداتها ولم تحصل فيها انهيارات (يعطون مثالا على ذلك بورتوريكو)، وهؤلاء يتجاهلون أن لا دولة في العالم يمكن مقارنتها بلبنان لناحية حجم القطاع المصرفي نسبة غلى حجم الاقتصاد. ففي أفضل الدول يمثل القطاع المصرفي 25 في المئة من حجم الاقتصاد، أما في لبنان فيمثل القطاع المصرفي (170 مليار دولار) أكثر من 250 في المئة من حجم الاقتصاد (أقل من 60 مليار دولار)، وبالتالي فإن انهيار القطاع المصرفي في لبنان يؤدي بشكل مباشر إلى انهيار البلد بشكل كامل.
بناءً على هذه الحقائق، يجب على الحكومة اللبنانية أن تتخذ القرار الشجاع بالبدء فوراً بمفاوضات مباشرة مع الدائنين على قاعدة تأمين حلّ حبّي لإعادة هيكلة الدين وجدولته (السندات)، وذلك تفادياً لكوارث لا يمكن حصرها أو تفادي نتائجها على البلد والودائع في حال اتخاذ قرار بالتخلف عن الدفع من دون مفاوضات.