كتبت رندة تقي الدين في صحيفة الشرق الأوسط:
على بُعد أيام من وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت منتصف الأسبوع الجاري، للبحث في تقديم “مساعدة تقنية” للبنان بناءً على طلب حكومته الجديدة، وبينما يلفّ ملف استحقاق “اليوروبوند” أجواء ضبابية تحت وطأة عدم اتضاح قرار الجانب اللبناني حتى الساعة إزاء السداد من عدمه، تلفت مصادر فرنسية متابعة للملف اللبناني إلى أنّ “امتناع الحكومة اللبنانية عن تسديد مستحقات دينها في آذار المقبل لا يمكن أن يحصل من دون وضع خطة بذلك مع صندوق النقد الدولي”، مشددةً في المقابل على أنّه لم يعد هناك من مفرّ أمام لبنان سوى الدخول في برنامج الصندوق.
وفي هذا المجال، تؤكد المصادر الفرنسية لـ”نداء الوطن” أنه “في حال لم يعد لدى لبنان المال الكافي لدعم كلفة الاستيراد بالعملة الأجنبية وعندما لم يعد أمام الدولة إلا أن تستخدم من احتياطها لتسديد دينها فذلك يعني أنّ الحكومة اللبنانية مجبرة على الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي لأنّ هذا البرنامج هو الكفيل بفتح كل أبواب المساعدات من باقي المؤسسات الدولية”، وأضافت: “الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال لديه برامج مساعدات اقتصادية لكن لا يمكن تقديمها للبنان إلا في حال دخل في برنامج مع صندوق النقد الدولي”.
وإذ تشير إلى أنّ “حزب الله لا يرغب بدخول الحكومة اللبنانية في برنامج مع صندوق النقد الدولي لأنه يعتبر أنّ تدخل الصندوق سيكون بمثابة استعمار مالي للبلد”، تكشف المصادر أنّ “باريس أبلغت المسؤولين في لبنان عدم إمكانية الحصول على أي مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي إلا بعد الدخول في برنامج مع صندوق النقد، خصوصاً وأنّ الوضع المالي والاقتصادي بلغ من السوء درجة متقدمة لم تترك سوى حل وحيد سيفرض نفسه على لبنان وهو القبول ببرنامج صندوق النقد الدولي”.
وبينما من المعلوم أن الولايات المتحدة لديها حق الفيتو في مجلس إدارة الصندوق الدولي كونها تملك أكثر من 17في المئة من الحصص في هذا المجلس حيث للأوروبيين 24في المئة من الحصص، تعلّق المصادر الفرنسية على دعوة رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب صندوق النقد للاستشارة التقنية حول خطة الإنقاذ فتقول: “الاستشارة ليست قراراً والموقف الفرنسي لا يقول بأن تعمد باريس إلى دفع لبنان نحو الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي ولكنها مدركة أنّ المؤسسة الوحيدة الموجودة لإيجاد حلول لمصاعب ميزان المدفوعات هي صندوق النقد الدولي الذي يمكنه أن يعمل بشكل مشترك مع البنك الدولي وبالتالي من الطبيعي أن يقترب لبنان من اعتماد مثل هذا الحل لأنه ببساطة لا يملك أي بديل آخر”، وأردفت: “لو كانت الحكومة اللبنانية تعتمد على دعم من الدول أو الصناديق العربية للخروج من الانهيار لكانت استغنت عن حل صندوق النقد الدولي، لكن حتى الآن لم تظهر الدول الخليجية أي دعم لحكومة دياب، وحتى إذا كانت فرنسا أو ألمانيا تريدان أن تساعدا لبنان لكنهما لا تستطيعان المساعدة إلا في تمويل بعض الصادرات وليس في تعويض ميزان المدفوعات”.
وإزاء هذا الواقع، ترى المصادر الفرنسية أنّ “الوضع المالي الحقيقي في لبنان غير معروف لدى الخارج سوى أن البنك المركزي حتى الآن اختار تسديد الديون وتمويل الاحتياجات الضرورية، وبالتالي إذا لم يعد لدى البنك المركزي السيولة اللازمة لتمويل سيولة المصارف التي تقلصت بشكل انعكس سلباً على سحوبات العملاء من ودائعهم، فالنتيجة ستكون أنّ غضب الناس سيتزايد في الشارع وبالتالي من الطبيعي أن يطالبوا بعدم تسديد الدين اللبناني، غير أنّ عدم التسديد يتطلب ترتيبات معينة وفي الوقت الحاضر لم يعد أمام لبنان إلا خيار الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي في غياب الدعم المالي العربي”. وتختم: “إذا قرر لبنان الدخول في هذا البرنامج فسيكون ذلك مرتبطاً حكماً بعدة ملفات أساسية كالكهرباء والضرائب والخدمات العامة نظراً لكون سياسات صندوق النقد ترتكز على الاقتصاد الحر وبالتالي سيطلب الصندوق الخصخصة وغيرها من الإجراءات التي لا يحبذها “حزب الله” لكن في نهاية المطاف هناك في لبنان حالياً اقتصاد غير رسمي وستكون الحكومة اللبنانية مجبرة على إدخاله في هيكلية الاقتصاد الرسمي”.