كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
بين ليلة وضحاها، إنتقل العميد محمد فهمي من «ظل» التقاعد الى «ضوء» السلطة، عبر بوابة وزارة الداخلية، متأبطاً معه خبرة غنية في العمل المؤسساتي والامني بعدما أمضى 39 عاماً من الخدمة في الجيش، وخصوصاً في «الامن العسكري».
ملفات واختبارات كثيرة تنتظر العميد محمد فهمي في «الداخلية»، فكيف سيتعامل معها، ووفق أي سلوك ومعايير؟
على رغم من أهمية التحوّل الذي طرأ على حياة فهمي بعد تعيينه وزيراً للداخلية في حكومة حسان دياب، مع ما تكتسبه هذه الحقيبة السيادية من وزن نوعي، فإنّ الرجل يبدو حريصاً على «حماية» البساطة في نمط سلوكه، بعيداً من «إكسسوارات» المنصب الوزاري و«مفرقعاته».
يفضّل فهمي مناداته بالعميد على معالي الوزير، ولا يمل من التصويب كلما اقتضت الحاجة، «لأنّ اللقب العسكري هو الأحَبّ إلي».
كذلك، يتجنّب استخدام المواكب الهادرة والفضفاضة في تنقلاته، مكتفياً بسيارة او اثنتين كحد أقصى وبعدد قليل من المرافقين.
لا يجيد فهمي «فنون» اللف والدوران، مؤكداً أنه غير مستعد لتعلّمها على رغم من دخوله المُستجِد الى المعترك السياسي من أوسع ابوابه، ما يعكس الأثر البالغ الذي تركته التربية العسكرية على تركيبة شخصيته.
يبوح تلقائياً بما يفكر أو يشعر به من دون إخضاع أفكاره أو مشاعره الى «التكرير»، وهو مقتنع أنّ الصراحة والوضوح في مقاربة الشأن العام هما الأجدى ولو كانت كلفتهما احياناً مرتفعة.
ومع انّ وزارة الداخلية تقع على خط «الزلازل» المحلية وتزدحم بالملفات الحساسة، إلّا انّ فهمي يوحي أنه لا يهاب هذا الاختبار ولا يتهيّب خوضه «ما دام القانون يشكّل المسطرة التي أقيس عليها قراراتي وتصرفاتي».
ليس لديه حرج في الإضاءة على بعض «كواليس» حياته الشخصية، عندما يُسأل عنها، من قبيل أنّ تعويضه بعد التقاعد العسكري ذهب الى تسديد ديونه، أو أنّ 4 دفعات مالية لا تزال متوجبة عليه من ثمن سيارة اشتراها بالتقسيط.
امّا على مستوى التصنيف السياسي، فإنّ فهمي ينأى بنفسه عن الاصطفافات والتجاذبات اللبنانية، معتمداً خيار «الحياد الايجابي» عن الإنقسامات والنزاعات بين القوى السياسية. ولكن حين يتعلق الأمر بالنزاع مع العدو الاسرائيلي فلا مكان للحياد لديه، بل انحياز كلي الى جانب مبدأ العداء الجذري للاحتلال.
فهمي… والتحديات
يوضح فهمي لـ«الجمهورية» أنه أمضى 39 عاماً في صفوف الجيش اللبناني، «وكنتُ رئيس فرع الأمن العسكري لسنوات طويلة، وبالتالي لدي ما يكفي من الخبرة والتجربة للاحاطة بملفات وزارة الداخلية».
ويضيف حازماً: «فليكن معلوماً انني لا يمكن ان أخضع لأي ضغط أو أمر يخالف قناعاتي، ويكفي ان تعرف انّ هناك في جسمي 300 قطبة نتيجة إصابات تعرّضتُ لها أثناء خدمتي في المؤسسة العسكرية لتدرك أنني مستعد لمواجهة كل أنواع التحديات التي قد أصادفها في وزارة الداخلية من دون ان يرفّ لي جفن».
ويلفت الى انه أصدرَ تعميماً للمدنيين والعسكريين في الوزارة، قضى بمنع الواسطات تحت طائلة المسؤولية، مشدداً على انّ «معياري الوحيد والثابت هو القانون الذي لن أتساهل في تطبيقه، وكل طلب أو أمر لا ينسجم معه سأرفضه، حتى لو قام والدي من القبر الآن وطلب مني شيئاً غير قانوني فسأعتذر منه وأقول له لا تؤاخذني يا والدي، ليس في إمكاني ان أحقق ما تريده مني».
ويؤكد فهمي أنّ أي خلل مُحتمل في الوزارة على مستوى العلاقة مع الناس، سواء كان يتصل بفساد أو بتقصير إداري، سيتم ضبطه وعلاجه «وأنا حريص على الدفع في اتجاه الوصول الى أقصى درجات الانضباط والانتظام في عمل الوزارة».
وضمن إطار «التكتيكات» التي سيعتمدها، يكشف فهمي أنه سيرسل من جهته، بين الحين والآخر، أشخاصاً «متنكّرين» الى إدارات واجهزة تابعة لوزارة الداخلية من اجل التواصل المباشر مع الموظفين وإجراء معاملات مفترضة، وذلك لاختبار نزاهة العمل وانتظام آليته والتأكد من عدم وجود فساد ودفع رشى.
ويقول: «أنا أستيقظ باكراً حيث أقوم برياضتي الصباحية، ثم أتوجّه الى مكتبي الذي أكون موجوداً فيه نحو السابعة والربع. وفي إحدى المرات قمتُ بجولة تفقدية على المكاتب داخل الوزارة وكانت الساعة قد اصبحت الثامنة والنصف، لأكتشف انّ عدداً لا بأس به من الموظفين لم يحضر بعد، فأصدرتُ مذكرة إدارية تحدد الدوام الالزامي من الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف بعد الظهر، تحت طائلة اتخاذ التدابير المسلكية المناسبة، «لأننا في وزارة الداخلية يجب ان نقدّم النموذج السليم، وان نكون القدوة في احترام الاصول والقوانين، قبل ان نفرض على الآخرين في أي مكان التقيّد بها».
ويؤكد رفضه استعمال المواكب الجرّارة في تنقلاته، موضحاً انه يستخدم سيارة واحدة، «إلّا اذا كان مشواري بعيداً، فعندها ترافقني سيارة اخرى فقط، اذ ليس لديّ ما أخاف منه، والاستعراضات أصلاً لا تحمي بل مردودها الوحيد إزعاج الناس وتوسيع الهوّة بينهم وبين المسؤول».
وعن تموضعه السياسي، يؤكد فهمي أنه «مستقل»، يقف «على مسافة واحدة من الجميع، ومُنفتح على الجميع في الوقت نفسه ضمن الضوابط القانونية».
ويضيف: «أنا لست محسوباً سوى على قناعاتي واستقلاليتي، مع الاشارة الى انّ هناك من حاول أن يصنّفني في خانة دمشق أو «حزب الله»، علماً أنني كنتُ قد أصبتُ في رأسي خلال مواجهات حصلت في الماضي مع الجيش السوري. أمّا الحزب فإنّ أكثر ما يعنيني في شأنه هو دوره في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، انطلاقاً من عروبتي وانحيازي الى جانب خيار المقاومة ضد هذا العدو التاريخي، بمعزل عمّن يحمل هذا الخيار، سواء كان «حزب الله» او القوات اللبنانية».
وماذا عن علاقتك مع الرئيس دياب؟ يجيب فهمي: «قبل طرح اسمي لوزارة الداخلية لم اكن أعرف الرئيس حسان دياب ولم يحصل أن التقيتُ به في السابق، الى ان طلب الاجتماع بي خلال لقاءاته مع المرشحين لتولّي حقائب وزارية، فقصدتُ حينها منزله في تلة الخياط للمرة الاولى، واضطررتُ يومها الى الاستفسار مراراً عن مكان المنزل حتى تمكّنت من الاستدلال عليه».ويوضح انّ كل شيء بالنسبة إليه يمكن ان يخضع الى الحوار والنقاش، «الّا مسألة العداء لإسرائيل، فهذه عندي ثابتة استراتيجية واخلاقية لا أقبل مجرد البحث فيها»، مشدداً على انّ «عدائي لكيان الاحتلال هو موقف جذري، وكل ما عدا ذلك مستعد لمناقشته».
ويتمنى فهمي على جميع السياسيين ان يتفهّموا قراره بعدم التجاوب مع اي خدمات وواسطات تخالف الاصول، «علماً انّ هذه القاعدة تسري على عائلتي قبل الآخرين»، كاشفاً أنه «عندما تعرّض ابني لحادث سير منذ فترة وجيزة خلال وجوده في فاريا، ذهبَ الى المخفر لإجراء المقتضى، وبقي هناك ساعات طويلة في انتظار إنجاز المحضر والاجراءات المطلوبة، من دون ان يكشف لعناصر المخفر حقيقة هويته وأنه ابني»
ويشير فهمي الى انه «أثناء وجودي في المجلس النيابي، ضمن جلسة الثقة، استعنتُ بأحد الزملاء الوزراء للتعرّف الى أسماء عدد من النواب الذين لم أكن اعرفهم، ولعل المفيد في ذلك انه يخفّف عليّ كوزير من حرج الصداقات الشخصية ومفاعيلها الجانبية».
ويوضح انه متمسّك بحماية المتظاهرين السلميين «انطلاقاً من انّ التظاهر حق ديموقراطي ومشروع، شرط ان يبقى تحت سقف القواعد القانونية والانتظام العام، من غير إلحاق الضرر بالأملاك العامة والخاصة وبحقوق الشرائح الأخرى من المواطنين، «وحتى الذين هم مشاغبون سنسعى دائماً الى احتوائهم وتجنّب اعتماد خيار العنف ضدهم، قدر المستطاع، ما دام انّ هناك فرصة لضبطهم بوسائل اخرى».
ويلفت فهمي الى «انّ الحكم استمرارية، وأتمنى ان يبني من سيأتي بعدي على ما سأُنجزه في الوزارة، تماماً كما أنني أستند حاليّاً الى الارضية التي بَناها من سبقني في تحمل المسؤولية».