كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
للوهلة الأولى، ظنّ كُثر أنّ القوى السياسية التي اختارت لنفسها مقاعد معارضة حكومة حسّان دياب، ستسارع إلى شحذ سكاكينها ووضعها على الطاولة فور نيل الحكومة الثقة وخروجها سليمة من البرلمان بعد جلسة استثنائية، كانت خلالها نيران الشارع، أكثر إيلاماً وتصويباً من مداخلات النواب المعارضين.
المنطق السائد لبنانياً يقول، إنّ الأحزاب والتيارات التي اختارت التمرد على الجنة الحكومية، ستمعن بلمح البصر في “نبش المستور” لتعرية الحكومة الجديدة وصلبها على مذبح الأزمة الاقتصادية – المالية التي صار عمرها عقوداً.
وإذ، بالمعارضين قبل الموالين، يتخذون مسافة مقبولة من الحكومة، يؤجلون قليلاً انتقالهم إلى حلبات الملاكمة، ويستعينون بـ”التقية”، يترقبون التطورات فيما أيديهم على قلوبهم، يتهيّبون تحديد ساعة الصفر للانقضاض على تركيبة حسّان دياب.
تتعامل الطبقة السياسية مع الحكومة على أنّها الفرصة الأخيرة قبل الانفجار الكبير. حتى لو أنكرت ذلك، لكنّها فعلياً تخشى الآتي من تداعيات الانهيار الذي سيجرف كل ما هو قائم. لن يميز “تسونامي” الجوع والتقهقر الاجتماعي بين موال ومعارض، ولن يفصل بين مؤيدٍ للحكومة وبين رافض لها. الانهيار سيجرف كل المشهد السياسي.
ولذا يتملّك الخوف كل العاملين في الشأن العام. ولا يمانعون من وضع حكومة حسان دياب في الواجهة، مكشوفة الصدر، حتى لو كانت مدعومة رسمياً من محور واحد، خصوصاً وأنّ الكل شبه متفق على أنّها ذات مهمة انقاذية محددة، قد ينتهي دورها إما بانتهاء المهمة، وإما بانتهاء كل منظومة الطائف.
بهذا المعنى، تمّ التمعّن في خطاب رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري الذي تجاوز الحكومة الحديثة الولادة، ولم يتطرق إليها إلا من خلال تناول “رئيس الظلّ” وبكونها “حكومة العهد”، متوجهاً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” بالقول “طيرتَ نصف العهد بالتعطيل وحروب الإلغاء، وخربتَ العهد، وسجلتَ انهيار البلد على اسمك واسم العهد”. أما غير ذلك، فأسقط كل خصومته مع خلفه الآتي من عالم الأكاديميا ليجلس على كرسيه في السراي الحكومي. وهذا المنحى يتقاطع أيضاً مع ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي اعتبر في خطابه الأخير أنه، في حال فشل الحكومة الحالية “لا نعرف ما إذا كان سيبقى بلد ليأتي أحد على حصان أبيض ليشكل حكومة جديدة، ونتائج الفشل ليست على القوى السياسية المشاركة في الحكومة بل على البلد”.
هكذا، تصير “الحفاوة” التي لاقاها وزير الداخلية محمد فهمي في دار الفتوى خلال لقائه المفتي عبد اللطيف دريان، منطقية، وهي التي تأتي في خطوة “تودّدية” اضافية تنضم إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة إلى دار الافتاء على أثر نيل حكومته الثقة.
يقول فهمي لـ”نداء الوطن”: “إنّ اللقاء كان ايجابياً بشكل لافت، مناقضاً للأجواء التي حاول البعض بثها في الاعلام، حيث عبّر المفتي عن كامل دعمه للحكومة كونها الفرصة الأخيرة للانقاذ وإخراج البلاد من محنتها”، لافتاً إلى أنّه “مقتنع أنّ أبواب دار الفتوى مفتوحة لكل اللبنانيين ولذا لم يتفاجأ بالاستقبال المميز الذي لاقاه من سيد الدار”.
وأشار إلى أنّ النقاش تناول ضرورة حماية المتظاهرين السلميين، الأمر الذي أكد عليه وزير الداخلية أكثر من مرة كونه واجباً وطنياً وانسانياً، كما جرى التطرق إلى الأوضاع المعيشية وخشية انفجارها اجتماعياً بشكل يهدد الاستقرار الأمني، مع العلم أنّ الوزير فهمي سبق له أن دشّن دخوله مبنى الصنائع باطلاق “ثلاثية”: “حماية حق التعبير السلمي، عدم السماح بالاعتداء على القوى الامنية ومعاقبة المخالفين في السلك”.
اللافت، أنّ المفتي لم يتردد في الإشارة إلى رغبة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بنجاح الحكومة في مهمتها من أجل انقاذ البلاد من الغرق الحتمي.
ويلفت الوزير البيروتي إلى أنّ زيارته إلى دار الفتوى لا تخرج عن سياق حرصه على العلاقات مع كل القوى السياسية ليكون على مسافة واحدة من كل المكونات، بمن فيها “تيار المستقبل”.
للعلاقة مع “المستقبل” خصوصيتها بالنسبة إلى الجالس على كرسي “وزارة الوزارات”، ولو أنّه يعتبر أنّ وزارة الداخلية لكل اللبنانيين وليست لفريق دون آخر، وهذا ما يحاول اثباته من خلال شغله اليومي في الوزارة.
ولهذا لا يؤمن بالمنطق الكيديّ، ويؤكد أنّه يتعامل مع “المستقبل” كفريق سياسي له وزنه في البلد، كما لذكرى “14 شباط” مكانتها الوطنية، “ولهذا حرصت على تعزيز الاجراءات الأمنية وتأمين الحماية اللازمة للاحتفال الذي جرى في بيت الوسط يوم السبت الماضي، كما منحت الأذونات للضباط الذي رغبوا في المشاركة في المناسبة الوطنية التي لا يمكن تجاوزها”.
وكان فهمي أعلن بعد لقائه المفتي دريان أنّ “الإخلال بالأمن سيعالج بحسب الأصول والقوانين المعمول بها من أجل المحافظة على حق كل مواطن. أطمئن الجميع أن رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب يقوم بجهد متواصل لمعالجة الوضع في لبنان اقتصادياً ومالياً ونقدياً، ويعمل بهدوء وصدق. لذلك أتمنى من سماحته الدعاء المتواصل لنتمكن من تجاوز هذه المحنة التي نعيشها”.