كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
في كل دول العالم هناك موالاة ومعارضة، وسلطة ومقابلها شعب يقف بالمرصاد، إلا في لبنان حيث يحاول أركان السلطة “إستغباء” الناس والتبرؤ من تحمّل المسؤوليات. لا يمكن أن تعرف في لبنان من هو المذنب الحقيقي، رئيس الجمهورية يقول إن لا صلاحيات لدي لأتصرف، رئيس الحكومة يشكو من تقسيم مجلس الوزراء حصصاً بين الكتل والأحزاب، رئيس مجلس النواب صاحب الدور الرقابي الأول يتحجج بأن المجلس لا يعمل، أكبر الكتل السياسية تصرخ “ما خلونا نشتغل”، المصارف وراعيها الأكبر مصرف لبنان تضع اللوم على السلطة السياسية، والسلطة القضائية تشكو من التدخلات السياسية، لذلك وأمام محاولة أهل الحكم “تضييع الشنكاش” رفع الشعب في ثورته شعار “كلن يعني كلن”. وما يثير الإنتباه أكثر دعوة “التيار الوطني الحرّ”، الذي أوصل رئيسه إلى رئاسة الجمهورية، ثمّ حصد 11 وزيراً في الحكومة السابقة و6 وزراء في الحكومة الحالية، وأمسك بكامل الحصة المسيحية، وعيّن من يريد في المراكز المهمة في القضاء، إلى التظاهر أمام مصرف لبنان.
الدعوة للتظاهر أعلنت عنها اللجنة المركزية للإعلام في “التيار الوطني الحر”، تلك اللجنة التي شهدت نقلة نوعية منذ أكثر من 10 أيام وبات شغل المسؤولين فيها تأليه المسؤول و”تدنيس” الشعب اللبناني، الذي حسب رأيهم لا يعرف قيمة ما أفرزه “التيار الوطني الحرّ” من قيادات لا يستحقها.
وفي تفاصيل الدعوة إلى التظاهر، وبالطبع بعد تمنين المواطنين بإنجاز دفع ثمن تذكرة “الميدل ايست” بالليرة، أشارت اللجنة المركزية للإعلام إلى أنه “بعدما أرسل تكتل لبنان القوي كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان للمطالبة بإجراء تحقيق لكشف الحقائق في ملف الأموال المهرّبة الى الخارج واستعادتها، وبعد مطالبة باسيل مصرف لبنان في نهاية 2019 بوجوب كشف الأموال المهربة وبتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في جلسة الثقة الأخيرة، ومع استمرار تهريب الأموال الكبيرة من قبل المحظيين والنافذين مع حرمان اللبنانيين من حقهم في سحب رواتبهم وودائعهم المتواضعة، تدعو لجنة مكافحة الفساد في “التيار” القطاعات المعنية والمتضررة الى تحرك أمام مصرف لبنان في الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس 20 شباط 2020 من أجل المطالبة باستعادة هذه الأموال المهربة الى الخارج ووجوب معرفة كامل الحقائق في هذا الملف”.
لا شكّ أن التظاهر أمام مصرف لبنان بات واجباً على كل مواطن خصوصاً أن المصارف تحجز أموال الناس، لكن كثراً يرون أن ما يقوم به “التيار الوطني” في هذه الخطوة هو شعبويّ بامتياز، فكيف يمكن لقوة سياسية تمسك أعلى منصب في الدولة ألا تجد حلولاً للأزمة المالية والإقتصادية؟ وتدل هذه الخطوة حسب المتابعين على أن “التيار” يغسل يديه من رئيس الجمهورية أولاً ومن الحكومة ثانياً ومن القضاء ثالثاً، وهو المعني الأول في هذه المؤسسات الثلاث، فالناس تتظاهر لتطالب السلطة بالتحرّك، فضدّ من يتظاهر “التيار”، ضدّ رئيس جمهوريته، أو ضدّ حكومة يملك حصة “الأسد” فيها، أو ضدّ قضاء يملك كل المراكز المهمة فيه؟
وما يدعو إلى القلق أكثر أن هذه التظاهرة تدل على أن السلطة لا تملك حلولاً لذلك قررت الهروب إلى الأمام واستعمال الشعبويّة، فبدل أن يشهد قصر بعبدا إجتماعات مالية مكثفة، والتحضير لورش إنقاذ، ينشغل السياسيون بتسجيل النقاط.
لا شكّ أن حاكم مصرف لبنان هو واحد من هذه المنظومة التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه، لذلك مطلوب من رئيس الجمهورية المحاسبة وفضح كل شيء أمام الشعب، وإذا كان الرئيس غير قادر على فعل هذا الأمر فمن هو القادر في هذا البلد؟
وإذا لم يحصل أي طارئ وتتأجل التظاهرة، تطرح أسئلة عدة عن الخطوات اللاحقة لـ”التيار” في الشارع، علماً أنهم هم من واجهوا ثورة الناس وحاولوا قمعها، وخونوها واتهموها بالقبض من السفارات وتمويل التظاهرات، فكيف يلجأون إلى كل تلك الخطوات التي أدانوا الشعب المنتفض فيها؟
ويصرّ “التيار الوطني” على الإستمرار في هذه التظاهرة، ويبرّر نفسه بأنه تيار يعرف جيداً معاناة الناس ويعلم كيف يُذلّون أمام المصارف لسحب أموالهم، فيما كبار الرأسمالين هرّبوا أموالهم إلى الخارج.
ويعتبر “التيار” أن خطوته هذه ستتبعها خطوات أخرى، وقد تحرر حالياً من عبء السلطة وبات قادراً على التحرك بليونة أكثر، وسيستكمل ملف الأموال المهربة إلى النهاية، إن كان عبر الشارع أو عبر الأطر القانونية. ويُذكّر “التيار” بأنه لم يكن راضياً على أداء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لكن محاولة إستبداله فشلت بعد التهديد بانهيار الوضع المالي، وبأن تعيين بديل عنه سيسبب إنهيار العملة الوطنية.
في المقابل، فإن الجميع يعلم أن تغيير سلامة كان بهدف إمساك “التيار الوطني” بكل المواقع المسيحية وليس من أجل إجراء إصلاحات، لذلك يُطالب الثوار برحيل سلامة والسلطة السياسية من أعلى الهرم إلى أسفله والإتيان بأشخاص كفوئين ووقف المتاجرة بالناس والوطن.