لم يضف المشهد الاحتفالي في بيت الوسط في ذكرى الشهيد رفيق الحريري، ولا المشهد الاحتفالي في حارة حريك في ذكرى «القادة الشهداء»، شيئا يذكر الى «المشهد السياسي» الرازح تحت وطأة أزمة اقتصادية مالية تقيده وتضرب حيويته وروح المبادرة فيه.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وبعد جولة إقليمية انطلقت من العراق واليمن، ومرت على «صفقة القرن»، وتوقفت عند المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة التي تستدعي خيار المقاومة الشاملة والشعبية في كل أبعادها الثقافية والاقتصادية والسياسية والقضائية (مع تقصد عدم تقديم البعد العسكري)، حط نصرالله رحاله عند الوضع الداخلي معترفا بأن هناك استحقاقا يهيمن على عقول الجميع في لبنان، وهو الوضع الاقتصادي المالي الذي يصفه بـ «الصعب جدا جدا جدا»، معترفا أيضا أن ما كان يتمناه لم يتحقق، لجهة عدم استقالة الحكومة السابقة وتشكيل حكومة جديدة جامعة.
لا يقدم نصرالله مبادرة حل أو خريطة طريق للخروج من الأزمة، وإنما يكتفي بتقديم أفكار متناثرة برزت فيها الدعوة الى الفصل بين الصراع السياسي ومعالجة الملف الاقتصادي، مع ملاحظة أن هذه الدعوة شملت وضع الانتخابات النيابية جانبا (بما يعني أن حزب الله لا يجاري الدعوة الى انتخابات مبكرة)، ودعا نصرالله الى هدنة سياسية ووقف عملية التراشق بالاتهامات وتقاذف كرة المسؤوليات (في إشارة الى حملات المستقبل والتيار الوطني الحر)، ودعا أيضا الى إعطاء حكومة حسان دياب فرصة معقولة منطقية وعدم التحريض عليها بالقول إنها حكومة حزب الله.
هنا يبدو انزعاج نصرالله من شائعة عالمية وعربية مفادها أن حكومة دياب هي حكومة حزب الله، وكأنه اعتراف ضمني بسوء هكذا سمعة على مصير البلد وبأن المشكلة الفعلية هي وجود حزب الله في السلطة، ولكن الإشارة البليغة، هي دعوة نصرالله الى تشكيل «لجنة نقاش» جدي من الموالاة والمعارضة لإنقاذ الوضع، مع ما يعنيه ذلك من تشكيك ضمني بقدرات حكومة دياب، واعتراف ضمني بالحاجة الى إشراك القوى السياسية الوازنة التي خرجت من الحكومة، حتى لو تحولت لجنة النقاش المقترحة الى ما يشبه «حكومة ظل».
حرص نصرالله على تحييد الرئيس سعد الحريري. لم يذكره بالاسم ولم يوجه إليه نقدا واتهاما، ما خلا إشارته في معرض إشادته بشجاعة رئيس الحكومة وأعضائها الى الفرق بين تحمل المسؤولية والهروب من المسؤولية، وما خلا قوله «إذا فشلت هذه الحكومة ليس معلوما أن يبقى بلد ليأتي أحد على حصان أبيض ويشكل حكومة جديدة».. الحريري أيضا حرص في خطاب 14 الجاري على تحييد حزب الله، ولم يوجه إليه أي اتهام ولم يحمله مسؤولية، ولم يأت على ذكر المحكمة الدولية، كان خطاب نعي التسوية الرئاسية والاحتفال بالتحرر منها، ورمي كرة المسؤولية في اتجاه العهد الذي كاد الحريري أن يحصره بـ «رئيس الظل» جبران باسيل، مع حرصه على تحييد شخص الرئيس ميشال عون «الذي يعرف احترامه عندي، وأنا أحفظ له مواقفه معي».
وركز الحريري على مغازلة وليد جنبلاط وتأكيد التحالف معه، فيما «تجاهل إيجابا» القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع، وأبقى النافذة مفتوحة معه.
تحدث بعنف عن باسيل وحمله مسؤولية انهيار تسوية 2016 التي أعلن خروجه النهائي منها، ودافع عن الحريرية وإنجازاتها وأظهر اهتمامه ببيته الداخلي وأوضاعه، وبدا أنه يخوض من الآن فصاعدا معركة مع بعض من بيئته ومع بعض السياسيين الذين كانوا محسوبين عليه ووصفهم بالانتهازيين الوصوليين.
لم يصدر عن الحريري ما يفيد أن خطابه يرقى الى مستوى المواجهة التي تريدها القوى المناوئة لإيران في ظل التحولات الكبرى والوقائع الداخلية، كما المتغيرات الخارجية، ولم يؤسس خطاب الحريري لانتقاله مع تياره الى المعارضة، وإنما أوحى أنه بات عند «سور السلطة» يدق البوابة من الخارج طالبا الإذن بالدخول مرة أخرى.
لذلك، فإن الحديث عن جبهة معارضة جديدة والعودة الى إحياء 14 آذار هو حديث سابق لأوانه، ومثل هذه الجبهة تحتاج الوقت والجهود والاتصالات، وهذا ما يفسر كيف أن دعوة جنبلاط الى اصطفاف وطني جديد ضد العهد ورئيس الجمهورية لم تقابل بأصداء إيجابية.