كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
فتحت النيابة العامة في ديوان المحاسبة التحقيق في ملف العقد الموقّع بين وزارة الاتصالات وأوجيرو. وأول الغيث فارق بقيمة 11 مليار ليرة بين النفقات التقديرية التي حازت موافقة الديوان، بالرغم من تنفيذ العقد، وبين النفقات المحقّقة فعلاً، التي كان يفترض الموافقة عليها لو تحول العقد إلى عقد مصالحة. لكن إلى حين انتهاء التحقيق، فإن رئيس أوجيرو راسل وزير الاتصالات طلال حواط ليعلمه أن الهيئة لم تعد قادرة على القيام بأعمالها نتيجة عدم صرف الأموال لها.
لم يقفل ملف موافقة ديوان المحاسبة على العقد الموقّع بين وزارة الاتصالات وأوجيرو. جديده تلقّي المدعي العام لدى الديوان فوزي خميس رسالتين من وزيري الاتصالات طلال حواط والمالية غازي وزني، يؤكدان فيهما الالتزام بعدم صرف قيمة العقد إلى حين انتهاء التحقيق القضائي الذي فتحته النيابة العامة لدى الديوان. التحقيق مرتبط بأمرين، أحدهما عقد الصيانة والتشغيل الموقّع بين وزارة الاتصالات وأوجيرو، الذي قررت الغرفة السابعة في الديوان إعطاءه الموافقة المسبقة، بالرغم من انتهاء السنة، وبالرغم من المطالعتين اللتين قدّمهما كل من رئيس الديوان محمد بدران وخميس، وطلبا فيهما إعادة النظر في القرار، لما يحتويه من مخالفات قانونية، أبرزها عدم جواز الموافقة المسبقة بمفعول رجعي، على عقد نُفّذ بكامله.
التحقيق بدأ بالفعل. النيابة العامة طلبت المستندات ذات الصلة من أوجيرو، كما استدعت مدير المالية في الهيئة محمد محيدلي لاستيضاحه عن قيمة المبالغ المدفوعة في العام 2019. كما تمّ التواصل مع مديرة المحاسبة العامة في وزارة المالية رجاء الشريف، التي أوضحت أن الهيئة تصرف، منذ سنوات، من دون موازنة.
في القراءة الأولوية للمستندات المقدمة من أوجيرو، تبيّن أنها صرفت، خلال العام 2019، 53 مليار ليرة، في حين أن ما طلبته في العقد الذي وافق عليه الديوان كان 64 مليار ليرة. فارق الـ11 مليار ليرة هو أساس المشكلة. فالديوان، في موافقته المسبقة، وافق على المبلغ التقديري، لأن الرقابة المسبقة لا تفرض التدقيق في طريقة الصرف والفواتير أو العقود المبرمة مع المورّدين، بل يتم خلالها التأكد من وجود الاعتماد والسند القانوني للصرف. وعليه، فقد وافقت الغرفة التي ترأستها القاضية زينب حمود على العقد، بعد تعديل عدد من بنوده، بحجة استمرارية المرفق العام. وهي بذلك أصرّت على عدم التمييز بين عقد بحاجة إلى الموافقة المسبقة لينفذ وبين عقد نفّذ بأكمله قبل الحصول على الموافقة، علماً بأن ما يصح في الحالة الأولى، أي الاعتماد على تقديرات الصرف، لا يفترض أن يصح في الحالة الثانية، أي بعد تنفيذ العقد وتحوّل التقديرات إلى أرقام منفذة فعلاً. وهو السبب الذي جعل بدران وخميس يطلبان تحويل الملف إلى عقد مصالحة يعرض على هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل قبل الموافقة عليه. لو حصل ذلك، لكن سار العقد نحو التنفيذ، بعد التدقيق في المصاريف، ولأمكن الموافقة على النفقات المحققة فقط لا على تقديرات لن تسهم سوى في زيادة العجز في الموازنة. وعليه، فإن الخلاف الذي ظهر إلى العلن، وعُبّر عنه في لجنة الاتصالات النيابية، ليس خلافاً يتعلق بالاجتهاد القانوني كما حاول البعض تصويره، بل هو خلاف له تأثير مباشر على المال العام، لكونه أدى، أو كاد يؤدي (لو لم يطلب خميس وقف التنفيذ) إلى خسارة الخزينة 11 مليار ليرة ليست أوجيرو بحاجة إليها، وهي بالتالي ستُضاف إلى فائضها مباشرة. وهذا الهدر تتضاعف خطورته في ظل الأزمة الكبرى التي يعيشها لبنان، خاصة أنه يشكّل محاولة لإكساب الغير ربحاً غير مشروع على حساب الإدارة، إذ تشير المادة 57 من قانون ديوان المحاسبة إلى أنه يعاقب بالغرامة وبالعقوبات الجزائية والمسلكية التي يمكن أن تقضي بها المراجع المختصة كل من اكتسب أو حاول أن يكسّب الأشخاص الذين يتعاقدون مع الإدارة ربحاً غير مشروع، علماً بأن العقوبات نفسها تنطبق على «من أهمل عرض إحدى المعاملات على الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة أو وضع موضع التنفيذ معاملة لم تعرض على هذه الرقابة».
لكن بدلاً من تحويل الملف إلى عقد مصالحة توافق عليه هيئة الاستشارات والتشريع ويخلص إلى إعطاء أوجيرو ما صرفته فعلاً لا ما افترضت أنها ستصرفه، أصرّت الغرفة المعنية في الديوان على إعفاء الهيئة من موجب الذهاب إلى هيئة الاستشارات وتوقيع عقد مصالحة مع وزارة الاتصالات، علماً بأن خميس أشار في كتابه إلى رئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية إلى أنه «لحفظ حقوق أوجيرو وحقوق الغير المترتبة في حال ثبوت تنفيذ خدمات وأعمال صيانة اقتضتها ضرورة تسيير المرفق العام، فإنه يمكن تطبيقاً لمبدأ عدم إثراء الإدارة على حساب الغير، توقيع عقود مصالحة في هذا الخصوص وعرضها على هيئة التشريع ثم على رقابة ديوان المحاسبة بحسب الأصول. بالنسبة إلى أوجيرو، عقد المصالحة يعني تأخير قبض المستحقات إلى أجل بعيد. وهذا قد يخلق مشكلة في السيولة وقدرة الهيئة على القيام بالأعمال المطلوبة منها. من يتحمّل المسؤولية أولاً وأخيراً، بحسب مصادر مطلعة، هو وزارة الاتصالات، التي تتأخر في توقيع العقود. هذا ما فعلته في العام 2017، وهذا ما فعلته في العام 2019 (انتظرت حتى 27/11/2019 حتى ترسل العقد إلى ديوان المحاسبة)، بحجة تأخر إقرار الموازنة (أقرّت في شهر تموز). ويبدو أن الأمر نفسه يتكرر اليوم. فأوجيرو التي أرسلت عقد 2020 إلى الوزارة في شهر تشرين الاول، لا تزال تنتظر تنفيذه، علماً بأنه لم يحوّل إلى الديوان للحصول على موافقته المسبقة عليه قبل تأليف الحكومة الحالية. أما بعد تأليفها، فقد طلب وزير المالية الجديد تعديلها لناحية اسم وزير الاتصالات وتوقيعها من قبل الوزير الجديد. وبالفعل، حصل ذلك، لكنها لم تحوّل إلى الديوان بعد.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد بدأت أوجيرو بالتهديد بالتوقف عن الصيانة، بحجة عدم توافر الأموال. وتأكيداً لذلك، راسل رئيس أوجيرو عماد كريدية وزير الاتصالات طلال حواط في 6 شباط الحالي، ليعلمه بأن وقف صرف قيمة عقد 2019 سيعطّل عمل الهيئة، وسينعكس سلباً على نوعية الخدمات وجودتها، ويمنعها من تأدية مهامها الموكلة إليها بناءً على بنود عقدي 2019 و2020، خاصة أنها بنتيجة عدم تنفيذ العقد لم تدفع أي مستحقات للغير من جرّاء الأعمال التي قاموا بها لمصلحة الهيئة. وبالفعل، تفيد المعلومات بأن أوجيرو بدأت بإجراءات تقشفية جدية، حيث أوقفت أغلب المصاريف الاستثمارية، فيما تنفذ أعمال الصيانة بالحد الأدنى الممكن، انطلاقاً من أن احتياطيها من الأموال قد نفد بكامله، محمّلة المسؤولية لوزارة الاتصالات، الطرف الأول في العقد، وطالبة منها «أخذ العلم والتوجيه».