Site icon IMLebanon

جعجع مخاطباً نصرالله: إنقاذ البلاد بيد حزبكم!

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:  

يُقدِّم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قراءته للتحديات الداخلية، واضعاً أمام حكومة حسان دياب بعض الأفكار العملية التي بإمكانها أن تتَّخذ في شأنها قرارات سريعة في مجلس الوزراء، تضع حداً للانهيار المالي – الاقتصادي وتُرسل إشارات عن جدّيتها. لكن البارز هو مخاطبته بالمباشر، منذ حين، «حزب الله» على وقع كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أمس الأول، الذي دعا فيه إلى تحييد الملف الاقتصادي عمّا هو سياسي، وتشكيل لجنة من الموالاة والمعارضة يتفاهمون من خلالها على دعم الحكومة، مبدياً حذره وخشيته من أن تُشكّل الدعوة بداية تهرُّب من المسؤولية.
جعجع الذي مهَّد لكلامه بأنه يأتي من خارج الحساسيات الإيديولوجية أو الشخصية أو التنافسية، توجَّه إلى نصرالله بالقول: «يا سيد حسن، لنا عشر سنوات موالاة ومعارضة في حكومات «وحدة وطنية» ولم نخرج بنتيجة»، سائلاً: «هل نحن بدنا نساعد الحكومة أم هي بدها تساعدنا؟ فهذه هي المرة الأولى، منذ زمن، التي تكون فيها حكومة منسجمة بيد فريق واحد، بمعزل عن تسميتها ما إذا كانت «حكومة مستقلين» من «8 آذار» أو حكومة «حزب الله» وحركة «أمل» و»التيار الوطني الحر»، وبالتالي يُفترض بحكومة اللون الواحد أن تكون لديها كل مقومات النجاح. أما آراؤنا فهي مُعلنة ومعروفة وموجودة في السوق».
ويذهب رئيس حزب «القوات» ليؤكد أن «حزب الله» هو أكثر جهة قادرة على مساعدة الحكومة والوضعية اللبنانية والبلاد لعودة اقتصادية سليمة، وذلك من خلال الإقدام على ثلاث خطوات: أولها، رفع الغطاء عن حلفائه (من الفاسدين)، فلا يُؤيدهم، على سبيل المثال، في ملف الكهرباء. وثاني الخطوات، تقديم المساعدة على المستوى الاستراتيجي بالانسحاب من كل المشاكل في المنطقة، العراق وسوريا واليمن، إذ إن تدخُّله ترك أثراً سلبياً على لبنان لأنه يأتي في اتجاه معاكس لتوجّهات وخيارات الدول المعنية القادرة والراغبة بالمساعدة. فليس بالإمكان أن نطلب من دولة مساعدتنا وهناك فريق في الداخل يُقاتلها. أما ثالث الخطوات، فهي وضع سلاح «حزب الله» بيد الدولة، فـ»لا أحد سيُساعد الدولة إذا كان قرارها الاستراتيجي خارجها. قد يسايرونها ولكن لن يساعدوها». وختم: «إذا حابب تساعد، هذه هي الطريق التي تؤمّن المقومات، وليس الـ»لويا جيرغا» (نسبة إلى المجالس القبلية في تجربة أفغانستان السياسية)».
سعى جعجع إلى حصر مقاربته بالسياقات التي تنشل البلاد من المأزق الاقتصادي – المالي. فحين عرض لبعض الأفكار التي يمكن للحكومة اعتمادها، لم يتناولها في سياق ضرورة إمساك الدولة ومؤسساتها وقواها الأمنية والعسكرية بمقدرات البلد من دون شريك آخر يضع الدويلة فوق اعتبار الدولة، بل من زاوية كيفية تأمين الواردات لها ووقف الهدر. هذا برز في شكل جليّ لدى حديثة عن ضرورة ضبط المعابر غير الشرعية، حيث قال: «لنترك المعابر الاستراتيجية (وهي المعابر التي  يستخدمها «حزب الله» لتمرير السلاح)، ولنركّز على المعابر التي تُهرَّب منها البضائع، والتي تحرم الخزينة من نحو 200 مليون دولار سنوياً».
وإلى المعابر غير الشرعية، حدَّد جعجع عناوين أخرى تستطيع الحكومة اللجوء إليها إذا توفّرت الإرادة السياسية لديها، فتقلب الوضع رأساً على عقب، وتنقل البلاد من «جهنم» إلى «الجنَّة» بسرعة قياسية، ذلك أنه رغم الصورة السوداوية لا تزال هناك إمكانية للإنقاذ. فأصول الدولة موجودة وكذلك بُناها التحتية قائمة (مطاعم، مستشفيات، مدارس، جامعات ومؤسسات الدولة) وطاقاتها البشرية هائلة، ويمكن تالياً خلال شهرين أن تقوم هذه المؤسسات باستيعاب عشرات الآلاف من الناس، إذا مَشَت الحكومة بإدارة سليمة.
والعناوين هي:
– الاستغناء عن موظفي الدولة الذين لا يعملون، والبدء كبادرة جدّية بالـ5300 موظف الذين جرى توظيفهم خلافاً للقانون، وقد وضعت لجنة المال والموازنة النيابية لوائح بأسمائهم.
– الجمارك التي يعلم القاصي والداني أن فيها سوء إدارة، من هدر وتهريب، تخسر معه الدولة نحو مليار دولار، فيما المطلوب أن يعمد مجلس الوزراء إلى تغيير الطاقم الموجود.
– تعيين الهيئة الناظمة للاتصالات، والهيئة الناظمة للكهرباء وفق القانون النافذ، وتشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة الكهرباء.
– إدارة شركات دولية، أو شركات محلية بالتفاهم مع الشركات الدولية، للقطاعات المنتجة، مثل الاتصالات، المرفأ، كازينو لبنان، «الميدل إيست» لتتحوَّل بعد تصحيح وضعها ورفع إنتاجيتها إلى شركات مساهمة.
هذه العناوين، وفق جعجع، لا تحتاج إلى نظريات اقتصادية واستثمارات وأموال ومؤتمر دولي، بل إلى قرارات حكومية تُظهر الجدية. فهو رغم أنه لم يمحض الحكومة الثقة نتيجة ما شاب عملية تأليفها ومجيء بيانها الوزاري مخيباً للآمال، إلا أنه يصف موقفه منها بـ»الليّن» ويريدها أن تنجح.
جعجع يؤكد أن «القوات» هي مع انتخابات نيابية مُبكرة، لكن إذا بدأت الحكومة بمجموعة من الخطوات الإنقاذية، العملية والفعلية فلا مشكلة في التأجيل لحين إتمام هذه الخطوات وتحسين الوضع. إنما إذا فشلت في ذلك، تُصبح الانتخابات النيابية المبكرة حاجة ضرورية لإحداث اختراق في الحائط المسدود.
وبرأيه أنَّ من يطالب بانتخابات مبكرة على أساس قانون جديد، هو كمن يطالب بانتخابات متأخرة، إذ أن القانون الحالي استغرق عشر سنوات للاتفاق عليه، وتحميله عورة الطائفية ليس صحيحاً، لأنها ترتبط بالمناخ العام وليس بالقانون. وبمقدار ما تكون التحالفات قوية، تأتي النتائج، فلو حصلت التحالفات كما حصل في 2009، لكانت قوى «14 آذار» ربحت الانتخابات الأخيرة. وما هو متيقّن منه أن «حزب الله» لا يريد انتخابات مُبكرة، وأنه لا بد من انتزاعها بالضغط.
يُعوّل رئيس حزب «القوات» على الانتفاضة التي أبصرت النور في 17 تشرين الأول، ويرى أنه «لو لم تحصل هذه الانتفاضة لما «خلصنا» من الحكومة السابقة». ويقول: «شبابنا يعملون تحت سقف ما يقرره المنتفضون، ولسنا نحن مَن يُقرّر».
وحين يأتيه السؤال عن إمكان قيام جبهة سياسية معارضة تضم «القوات» و»المستقبل» و»الاشتراكي»، يوحي جعجع بأن سعد الحريري ووليد جنبلاط لا يريدان الذهاب إلى مثل هذه الجبهة. هو يعتبر أن هناك تفاهماً قائماً مع الحريري على المسائل الاستراتيجية والعامة، ولكننا لسنا متفقين بعد على كيفية إدارة الدولة، فيما العلاقة مع جنبلاط تقوم على التنسيق معه في كل ملف على حدة.
لا يتحسَّس من السؤال عن الدعوات لإسقاط العهد، وهو لا يُفرِّق بين العماد ميشال عون وجبران باسيل، إلا أنه يردّ: «ليَقولوا لي ما هي الخطوة الثانية وعندها أحدّد موقفي. هل نُسقط هذا العهد لنأتي بأسوأ؟».
تطورات المنطقة كانت غائبة عن اللقاء مع جعجع، غير أن سؤالاً عن قراءته لتصريح مسؤول إسرائيلي بأن «لا مفرّ من حرب مع لبنان»، جعله يكشف أن هناك قضية إضافية في لبنان، ضمن المواجهة الأميركية – الإيرانية المستمرّة في المنطقة، وهي تتمثل في مشكلة الصواريخ الدقيقة التي يملكها «حزب الله»، وهذا ما يقصده الإسرائيليون الذين بعثوا منذ ثمانية أشهر، عبر مسؤولين غربيين، برسائل إلى لبنان حذروه فيها من مغبة وجود هذه الصواريخ، وهذه مسألة تستدعي أن يتدخَّل رئيس الجمهورية لدى «حزب الله» لأننا في غنى عن حرب تُضاف إلى تعقيدات الوضع اللبناني.