كتب رضا صوايا في “الاخبار”:
تتنافس محالّ السوبرماركت على نهش اللبنانيين وقضم ما تبقّى من رواتبهم المتآكلة (إذا كانوا لا يزالون يعملون). وبدل أن ينصبّ تفكير هؤلاء، في هذه الظروف، على كيفية تأمين ما يأكلونه، بات همهم تجنّب أن يؤكلوا أحياء في مسالخ المتاجر. الأمر لم يعد مرتبطاً بغلاء الأسعار بالمطلق والذي بات «أمراً واقعاً»، بل بفرق سعر المنتج نفسه بين سوبرماركت وآخر، وبفوارق هائلة قد تصل إلى آلاف الليرات، في ظل ضعف الرقابة وشلل القضاء المتقاعس عن القيام بواجباته.
في أحد محال السوبرماركت الكبرى، اعترض أحد المسؤولين على تصوير بعض المنتجات بذريعة أن «بعض المؤسسات المنافسة تعمد إلى إرسال موظفين لتصوير أسعارنا ومقارنتها بأسعارهم». وهذا وحده كاف لاكتشاف أن تحديد الأسعار لا يرتبط بالضرورة بشروط علميّة وحسابية بالمطلق، بل يخضع للأهواء أيضاً. وهو ما تؤكده المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس بالقول إن «احتساب الأسعار ليس بالأمر السهل». وبحجة «أننا لسنا بلداً اشتراكياً، فلا صلاحية لنا كوزارة في التسعير ما عدا سعر ربطة الخبز والفروج» بحسب عباس، يسرح التجار ويمرحون ويسعّر كل منهم على هواه. فيما دور الوزارة يقتصر على «مراقبة هوامش الأرباح. ونحن لم نحصر أنفسنا في هذا المجال بمرحلة ما بعد الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول، بل نقوم بمراقبة هوامش الأرباح على المنتجات منذ ما قبل تموز 2019».
«نعيش في مرحلة الفوضى الشاملة، والتجار يتصيّدون الناس» وفقاً لرئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، وهذا «نتيجة طبيعية للنظام الاقتصادي اللبناني المافيوي، ولرفض التجار والأحزاب الطوائفية لقانون المنافسة».
أما الحل بحسب عباس فهو في «ألا يتبضّع الناس من المتاجر التي تبيع بأسعار مرتفعة، وليبحثوا عن الأرخص». لكن المشكلة تكمن في أن البحث عن الأرخص مهمة شاقة بحدّ ذاتها. إذ لا يمكن القول إن أسعار سوبرماركت ما أعلى بالمطلق من أسعار سوبرماركت آخر. وبحسب جولة لـ«الأخبار»، يجب النظر إلى الأمور بالمفرق وليس بالجملة، وبحسب كل منتج على حدة، ما يفرض القيام بمهمات استقصائية للبحث عن الأوفر والسعر «اللقطة». وهذه مهمة وإن كانت شاقّة، إلا أنها مثمرة وخصوصاً للمشتريات الكثيرة كالتبضّع أول الشهر لأن الفروقات قد تكون بعشرات آلاف الليرات. فعلى سبيل المثال، يصل الفارق في سعر علبة بازلاء حبة اكسترا صغيرة مع جزر صغير حجم 800 غرام من «الوادي الأخضر»، بين سوبرماركت وآخر، إلى ثلاثة آلاف ليرة! ويبلغ الفارق في سعر غسول للجسم «ديتول» حجم 500 إلى 6500 ليرة لبنانية (انظر الجدول).
هذه وغيرها تبيّنها جولة سريعة على عدد من محال السوبرماركت في محاولة لمقارنة أسعار بعض المنتجات، علماً بأن اختيار المحال والمنتجات كان عشوائياً وغير مستند إلى أي معلومات مسبقة أو شكاوى، مع الحرص على التدقيق في وزن المنتج وحجمه، وخصوصاً أن بعض الفروقات الطفيفة أحياناً قد تؤثر بشكل جذري على الخلاصات (مثلاً صابونة من العلامة التجارية نفسها تتوافر بحجم 120 غراماً و125 غراماً وهو أمر يستحيل تمييزه بالعين المجردة).
اللافت في هذا الإطار إشارة عباس إلى أن «بعض محال السوبرماركت تبيع بسعر الكلفة، ما يطرح تساؤلات حول مدى جودة المنتج وهل هناك من عمليات تهريب تتم؟»
وبحسب المديرة العامة لوزارة الاقتصاد، تتصرف محال السوبرماركت على قاعدة «يا عنتر مين عنترك؟ عنترت وما حدا ردّني». فلا نظام الرقابة فعال، ولا القضاء يقوم بواجباته، مشيرة الى أنه «عام 2019، حرّر مراقبو الوزارة حوالى 1600 مخالفة، ذهب منها 600 محضر إلى القضاء الذي لم يبتّ أيّ واحد منها». وتشكو عباس من غياب صلاحيات الوزارة ومراقبيها، «فإرسالنا المحاضر إلى القضاء أشبه بترهيب المخالفين بمسدس مياه. إذ تنام الملفات بين عامين و3 أعوام أو تموت بمرور الزمن». أما الحل فأن «يكون لنا كوزارة صلاحية تحرير غرامات فورية بحق المخالفين»، وهو ما بحثته سابقاً لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب الراحل روبير غانم ولاقى موافقة أغلب الكتل النيابية، إلا أن المفارقة كانت باعتراض القضاء، بحسب عباس. أما الحديث عن زيادة عدد المراقبين لتفعيل العمل «فغير كافٍ. ما نحتاج إليه هو أن يكون لدينا عمل جماعي وعلى مدار الساعة لأن المراقبين يعملون ضمن الدوام الرسمي»
ورغم شكواه من القضاء «الذي يعدّ جزءاً من المؤسسات التي فشلت في الدفاع عن المواطنين وهو تابع للأحزاب ولسياساتها الاقتصادية»، يشدّد برو على ضرورة «مواصلة الضغط على القضاء لأداء دوره، وإلا فإن شريعة الغاب هي التي ستسود». وذكّر بحلّ قدّمته الجمعية ويرتكز على 4 نقاط، هي: توسيع الأمن الاجتماعي والغذائي ليشمل اللحوم والأجبان والألبان والحبوب، تولّي الدولة مسؤولية الاستيراد، استخدام الليرة في جميع المعاملات الداخلية ووقف الاحتكارات وتعزيز المنافسة.