لا يخفي حزب الله اللبناني قلقه من خيار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان، ويعتبر أن هذا الخيار يستهدفه مباشرة.
وتقول أوساط مطلعة إن الحزب ينظر لصندوق النقد على أنه سلاح أميركي يستهدف إخراج لبنان من دائرة النفوذ الإيراني.
ويشيع حزب الله أجواء تقول إن الصندوق هو أداة تطلقها واشنطن للمساهمة في جهود إسرائيل لطرد النفوذ الإيراني من سوريا ولبنان، وأن القبول بشروط هذه المؤسسة المالية الكبيرة سيكون أكثر وقعا على الحزب من العقوبات الاقتصادية والمالية التي تفرضها الإدارة الأميركية عليه.
ويؤكد محللون اقتصاديون مخاوف الحزب من أن القبول بالشروط التقليدية لصندوق النقد، والتي فرضت على كافة البلدان التي ارتضت خياراته، يفرض على لبنان انتهاج إجراءات تعزز دور الدولة بصفتها القائد الحصري لتوجهات الاقتصاد والممسك بكافة مداخل ومخارج الموارد والإنفاق، بما يعني القضاء على الاقتصاد الموازي التابع لحزب الله كما القضاء على منافذ الهدر والتهريب والاقتصاد غير الشرعي الذي تمارسه جماعات تحظى برعاية من قبل الحزب.
ويقول المحللون إن صندوق النقد سيفرض رقابة على النظامين، المالي والمصرفي، على نحو يتفوق على الرقابة التي تمارسها وزارة الخزينة الأميركية عليهما لمتابعة تقيد المؤسسات المالية بالعقوبات المفروضة على الحزب.
وتذهب بعض المصادر إلى القول إنه رغم وجود أسباب داخلية للأزمة الاقتصادية الخطيرة التي يمر بها البلد، إلا أن هناك روافد خارجية تساهم في مفاقمتها لجر لبنان نحو خيارات جديدة.
وترى هذه المصادر أن أزمة الشح في الدولار داخل الأسواق اللبنانية كما أزمة الشلل التي طرأت على النظام المصرفي اللبناني ليست بريئة وليست نتاج وضع داخلي فقط. وذكّرت بأن البلد يعيش منذ استقلاله عام 1943 وفق نفس النموذج الاقتصادي ووفق نفس السياسات الاقتصادية والممارسات المالية، وأنه شهد زلازل سياسية وأمنية كبرى، لاسيما الحرب الأهلية والحروب الإسرائيلية، ومع ذلك فإن لبنان لم يشهد الأزمة التي يعيشها هذه الأيام وأن نظامه المصرفي لم يتعرض إلى أي اهتزازات تذكر.
القبول بشروط صندوق النقد الدولي، يفرض انتهاج إجراءات تعزز دور الدولة بصفتها القائد الحصري لتوجهات الاقتصاد
وطالت ارتدادات الأزمة المالية اللبنانية الاقتصاد السوري كما أنها حرمت إيران نفسها من العملات الصعبة التي كان من السهل توفيرها من داخل سوق لبناني متحرر من أي قيود، لاسيما القيود الحكومية. وترى المصادر أنه بات مطلوبا، وعلى مستوى دولي، ضبط النظام المالي اللبناني، وتتوقع انتهاء صلاحية النموذج اللبناني الاقتصادي الذي تم التغاضي عنه منذ أكثر من 7 عقود.
ومن المرجح أن يشكل طلب حكومة حسان دياب المشورة من صندوق النقد الدولي مقدمة للقبول بالبرامج التي يطرحها لاحقا، خصوصا أن ما يتردد عن ذهاب الحكومة إلى رفض سداد استحقاقات سندات اليوروبوند التي تبدأ الشهر المقبل (أول استحقاق بعد 3 أسابيع قيمته 1.2 مليار دولار) سيصعّب موقف لبنان أمام كافة الجهات والمؤسسات والدول المانحة، والتي لن تتساهل مع قرار لبناني بهذه الخطورة دون أن يكون صندوق النقد الدولي راعيا لبرنامج الخروج من الأزمة في لبنان.
ووفق تسريبات، فإن باريس نصحت بيروت باللجوء إلى صندوق النقد الدولي على نحو يوحي بأن فرنسا التي تولت رعاية “مؤتمر سيدر” باتت عاجزة عن تسويق حلول بديلة تفرج عن الأموال التي أقرها المؤتمر للبنان (أكثر من 11 مليار دولار)، وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وعد بعد تشكيل حكومة دياب بمساعدة لبنان، لا يستطيع الوفاء بوعده دون مواكبة مالية دولية يشرف عليها صندوق النقد الدولي.
ويتخوف حزب الله من وجود أجندة سياسية سيعمل صندوق النقد على تمريرها من خلال ما سيفرضه من شروط اقتصادية. ويذكّر مراقبون بأن الولايات المتحدة، وبحكم مساهمتها الأساسية في الصندوق، تملك حق الفيتو على أي من برامجه وقراراته، وأن الصندوق قد يصبح ضاغطا في شؤون تتعلق بالقضاء على المنظومة الاقتصادية والمالية لحزب الله، كما بقضايا تتعلق بترسيم حدود لبنان مع إسرائيل ومستقبل التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وفيما ينظر للزيارة التي يقوم بها رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان وعرضه المساعدة الاقتصادية على أنها محاولة لتثبيت هيمنة طهران على بيروت، تعتبر مصادر دبلوماسية أن البلد لم يعد يملك ترف المناورة وأن خروجه من عنق الزجاجة لن يأتي من طهران التي تخنقها عقوبات واشنطن، بل يحتاج إلى ضخ مساعدات عربية دولية عاجلة، وأن أمرا كهذا لن يحصل دون ضوء أخضر أميركي، قد يكون خيار صندوق النقد إحدى أهم واجهاته.