أيا كان القرار الذي ستتخذه الدولة اللبنانية في شأن سندات “اليوروبوند” على اثر مشاوراتها مع وفد صندوق النقد الدولي الذي يصل الى بيروت في الساعات المقبلة، حيث ستحسم خيارها بين اعادة هيكلة او جدولة ديونها، بعد ان بات التوجّه نحو عدم سداد استحقاق 9 آذار المقبل، هو الارجح… فإن الكلمة السر التي سيسمعها المسؤولون اللبنانيون من ذوي الاختصاص في المنظمة الدولية، هي “الاصلاحات”.
فالتخلّف عن الدفع، من الملحّ ان يتلازم مع ورشة جدية سريعة لمحاربة الفساد في لبنان، لاعطاء اشارة مشجعة للمدينين بأن البلاد ستقف على رجليها من جديد، من جهة، وليقدّم الصندوق والمانحون، لبيروت، الدعم المالي والاستثماري في الفترة الدقيقة التي تمر بها، لتتمكّن من وقف هرولتها السريعة الى الهاوية النقدية والمالية والمعيشية والاجتماعية، من جهة ثانية.
فهل حكومة “مواجهة التحديات” ستتمكن من رفع هذا التحدي، ومن الإثبات للداخل والخارج، أنها فعلا ستسلك درب الاصلاح والتغيير؟ حتى الساعة، يكتنف ضباب كثيف هذه الجبهة ولا جواب واضحا بعد حول جدية الوزارة في التزام ما وعدت به لناحية انقاذ لبنان. لكن مصادر سياسية مراقبة تتوقف عبر “المركزية” عند نقطتين مضيئتين برزتا في الساعات القليلة الماضية من شأنهما اعطاء دفع قوي ايجابي للحكومة، في حال سلكتا طريقهما الى التطبيق العملي.
الاولى “كهربائية”. ففيما يشكّل هذا القطاع الثقب الاسود في الخزينة وأكبر مزاريب الهدر فيها، يبدو ان ثمة اتجاها لاعادة النظر في المقاربة التي كانت معتمدة سابقا- وعمودُها الفقري البواخر- بعد ان أثبتت فشلها. فالحديث يكثر عن عروض ستقدّمها شركات المانية وفرنسية لانشاء معامل في لبنان في قابل الايام، وعن اصرار رسمي، يبديه في شكل خاص رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الذهاب في هذا الاتجاه والتعاون مع الشركتين، والتخلي عن خيار البواخر.
الى هذا التغيير الذي سيكون بلا شك محط ترحيب دولي اذا حصل، بعد ان وجه اكثر من دبلوماسي غربي انتقادات لاذعة للخطط السابقة التي تفوح منها روائح الصفقات والسمسرات، أفيد في ساعة متأخرة من ليل امس ان التشكيلات القضائية أصبحت شبه جاهزة، وقد ارتكزت إلى معايير الكفاية والدرجات والمسلكية والنزاهة، التي اعتمدها رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس سهيل عبّود، بعدما توافق في شأنها مدّعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات وسائر أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وفي حال صدقت هذه المعطيات، فانها ستعني استبعاد التدخلات السياسية في التعيينات، للمرة الاولى منذ عقود، ما يمهّد لقضاء اكثر استقلالية وبالتالي أكثر قدرة على المحاسبة ومحاربة الفساد.
هذه المعطيات تشكّل بارقة امل مضيئة، في نفق الازمات القاتلة، الذي يتخبط فيه لبنان منذ أشهر. فاذا نجحت الحكومة في ادخال تعديلات الى النهج الذي حكم ملف الكهرباء منذ عقود من جهة، وتمكنت من اعتماد تعيينات قضائية نزيهة، من جهة أخرى، فإنها ستسجّل في رصيدها، نقطتين ذهبيتين ثمينتين، سيكون لهما وقع ايجابي محليا ودوليا، تؤكد من خلالهما للدول المانحة ان ثمة عزما رسميا جديا على الانتفاض على الاداء السابق، وسلوك طريق الاصلاح. لكن لا بد من انتظار ايام قليلة لتبيان مدى صحة هذه المعلومات التي لا تزال حتى الساعة، في الاطار النظري، خاصة واننا في بلد الـ”إقرأ تفرح، جرّب تحزن”.