Site icon IMLebanon

حكومة دياب: تنظيف “أوساخ” أطول حقبة فساد؟

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

مذ نالت ثقة مجلس النواب، تبدو حكومة الرئيس حسان دياب وحيدة في المعترك. لا احد معها ولا احد ضدها، لكنها ليست ضعيفة. الجميع المتفرجون عليها ليسوا اكثر من اقليات في الموالاة والمعارضة.

يترقب طرفا الموالاة والمعارضة في مجلس النواب ما ستفعله حكومة الرئيس حسان دياب في الاستحقاق الاول الذي تجبهه، وهو معالجة سندات الاوروبوندز. عليه تتوقف مقدرتها على التفاوض مع الخارج المعني كصندوق النقد الدولي وسفراء دول كبرى ابدوا استعداداً لمساعدة لبنان، كما مع جهات الداخل المعنية ايضاً كمصرف لبنان وجمعية المصارف. وسواء كان القرار تسديد السندات او جدولتها، فإن الخروج من المعضلة بالضرر الاقل على لبنان يشي بمدى الثقة الدولية التي ستُمحض اياها. لم يتعدَ تعاطي الخارج، العربي والغربي، معها الى الآن الترجح بين امتناع وتحفظ واظهار استعداد.

لكن ثمة ما هو مهم ينتظره هؤلاء، هو جدية الحكومة في ممارسة صلاحياتها الدستورية، بكل المسؤوليات المترتبة عليها، وفرض الاصلاحات الجوهرية والبنيوية في الاقتصاد والنقد التي يحضونها عليها. مع انها ثالثة حكومات العهد الذي دخل في النصف الثاني من الولاية، الا ان تأليفها من وزراء اختصاصيين، في العلن يظهرون انهم مستقلون، يجعلها اقرب ما تكون الى اولى الحكومات.

ما خلا استثناءات قليلة، معظم حكومات العهود المتعاقبة، كانت اولاها من خارج مجلس النواب، تناط بها ما يُفترض ان يكون العهد الجديد – كل عهد جديد – اخذه على نفسه اصلاح ما افسده العهد السابق. ما خلا عهدي الرئيسين فؤاد شهاب والياس سركيس، لم يأتِ عهد يخلف سلفه دونما اتهامه بالفساد والاهدار واستخدام الازلام والارتكابات القانونية الشتى. لم يكن يطول عمر اولى الحكومات بعد ان تكون انجزت كثيراً او قليلاً، كي تعود الحكومات البرلمانية تقبض على ما تبقى من ولاية تلو اخرى. اذذاك تسترجع الحكومات البرلمانية دورتها الى ان ينقضي العهد، فيخلفه آخر يبدأ بطعن مَن سبقه وتصويب الاتهامات اليه.

منذ اتفاق الطائف (1989) سقطت تلك السابقة، فأضحت اولى الحكومات كآخرها، برلمانية او مطعمة، انما ليس حتماً من خارج مجلس النواب. بعد اتفاق الدوحة (2008) تكرّس تقليد معاكس هو ان لا حكومة لا تكون حكومة وحدة وطنية، ما خلا واحدة هي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (2005) الذي كان النائب الوحيد فيها، وعُزيت مهمتها الى اجراء انتخابات نيابية عامة وتقويض بعض مراكز قوى الحقبة السورية.

بذلك تبدو حكومة دياب، من خارج مجلس النواب ومن خارج الكتل التي استأثرت بالتوزير طوال اكثر من عقد من الزمن، غريبة على المحيطين بها، مع ان تسمية الوزراء – كما رئيسهم – انبثقت من الكتل تلك التي كان عليها ان لا تختار حزبياً من صفوفها. مع ذلك ليست ترضي الذين وقفوا وراءها ودعموا تأليفها لئلا تتحول الى ادانة صريحة للحقبة المنصرمة التي مثّلها هؤلاء، ولا الذين عارضوها المتحرّقين الى اخفاقها كي يقال ان البديل منها حاضر.

هكذا تبدو حكومة الاختصاصيين في وضع لا تحسد عليها لاسباب مختلفة:

أولها، انها ترث وزر الانهيار الذي القاه في وجهها المختبئون وراءها، موالين ومعارضين، من اجل ان تتحمل تداعيات السقوط الكامل، فلا يحصل على ايديهم، او تمكّنها من تجنب آخر محطاته وبداية الخروج من المأزق. لذا قيل مراراً بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وقبل تأليف الحكومة الحالية، انها موقتة لبضعة اشهر تتولى سحب الاوساخ من تحت السجادة، كي تعود حكومة الوحدة الوطنية الى صدارة الحكم مجدداً.

لعل المهم في مهمتها ان المطلوب منها تنظيف «اوساخ» اكثر من عهد مضى منذ اتفاق الطائف، واطول حقبة فساد متصلة خبرها لبنان.

ثانيها، تكاد تكون الحكومة الاولى التي لا سند جدياً لها في مجلس النواب. لا كتلة برلمانية وراء رئيسها على غرار ما كانت تعوّل حكومات الحريري، ولا كتلة وازنة حليفة كالتي رافقت حكومات الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، وليس في وسعها الاتكال على الغالبية شأن ما فعل ميقاتي مرتين عامي 2005 و2011. الاصح ان ما خبره دياب من الغالبية الجديدة لقوى 8 آذار في جلسة الثقة لا يشجعه كثيراً. لم يمنح كل من سماه للتكليف من النواب الـ69 سوى 63 منهم. عنى ذلك ان دوافع التسمية لم تعد كذلك عند التوزير. لم يسع حزب الله الضغط على الممتنعين كي يقترعوا مع الثقة، وبينهم حلفاؤه هو، فيما انشغل رئيس المجلس نبيه برّي بتوفير اوسع نصاب للانعقاد ما دامت الثقة تكلفها الاكثرية العادية. واقع الامر ان فريقي الموالاة كانا في حاجة الى تسهيل نيل الحكومة الثقة في البرلمان لئلا تسقط في الشارع.

ثالثها، تكاد تكون المرة الاولى يعيش مجلس النواب اضطراباً في تحالفاته وتوازناته الداخلية لم يشهد مثلاً له منذ اتفاق الطائف في ظل الحقبة السورية، ولا بعدذاك، ثم في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة حينما انقسم بين كتلتين كبريين هما 8 و14 آذار. حافظت حكومات المراحل تلك على استقرار توازناتها جراء انبثاقها المنتظم من البرلمانات المتعاقبة.

ما يشهده المجلس الحالي، مع حكومة دياب، فريد. تجد نفسها امام اقليات متنافرة: 8 آذار التي تظهر كأكثرية نيابية ليست الا مجموعة اقليات افصحت عن ذاتها في جلسة الثقة. قبالتها اقليات يمثلها المعارضون كالحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع والنائب سامي الجميل ليسوا سوى مجموعة اقليات ايضاً. لا فريق الموالاة موحد من حول حكومة اللون الواحد يعبّر عنه تناقض حاد في موقفي برّي والوزير السابق جبران باسيل في واحد من اكثر الملفات الشائكة والمهمة كالكهرباء، ولا اتفاق واضحاً بين مجموعة الاقليات الموالية وأبرزها حزب الله حيال الانتقال من مرحلة ما بعد الاستشارة الفنية من صندوق النقد الدولي الى مرحلة طلب النجدة منه. هم بذلك حلفاء على القطعة. فريق المعارضة ليس احسن حالاً. تجمع افرقاءه مناوأة حكومة دياب، ويفرّقهم تعذّر اتفاقهم على مواجهتها ووضع برنامج تحالفهم. لا همّ للحريري سوى استعادة علاقته بالسعودية بعدما استجاب – متأخراً كثيراً – احد ابرز شروط العودة الى الحضن الدافىء، هو تخلصه نهائياً من تسوية 2016، جهر به في خطاب 14 شباط.

بلا الظهير السعودي يصعب عليه التفكير في العودة في السرايا. لكنه يراهن على الرجوع الحتمي يوجبه الانهيار شبه الكامل لعهد عون. حليفه المسيحي السابق، جعجع، لا يزال عند شرطه غير المعلن لتلقف تطبيع علاقته بالحريري وهو زيارة الاخير معراب. اضف رغبته في عدم قصر التحالف على ثنائيته والحريري – غير المتحمس له في الاصل – غير مجدية ما لم يكن جنبلاط ثالثهما للنهوض مجدداً بقوى 14 آذار. اما الزعيم الدرزي، المشارك في الحكومة والمعارض لها في آن، فلا يسع احد تفسير المكان الذي يريد ان يكون فيه، وهو تقاطع التناقضات: ليس جزءاً من قوى 8 آذار، حليف لبرّي، مهادن لحزب الله، معاد للعهد وحزبه، قلبه مع الحريري وعقله يدعوه الى الحذر من مركب جعجع. فوق ذلك كله ليس في وارد تكرار تجربة 14 آذار بعدما خرج منها في ذروة قوته وقوتها في انتخابات 2009.