صحيح ان صعقة كهربائية واحدة كافية لاصابة المواطنين، وقد تودي احياناً بحياتهم، لكن المستغرب انها لم “تمسّ” المسؤولين عن هذا القطاع بعد، رغم التوصيات الدولية المتكررة بإصلاحه، وليس آخرها توصية صندوق النقد الدولي الذي استبق زيارته الى لبنان بتوصية قضت بضرورة اجراء إصلاحاتٍ جذريّةٍ على هذا القطاع.
وقف العجز في مؤسسة الكهرباء اولى الاولويات، فالقطاع يكبّد خزينة الدولة خسائر تفوق الملياري دولار أميركي سنوياً، علماً ان وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني اشارت أخيراً إلى أن الهدر الفني وغير الفني كان 34% في الكهرباء واستطاعت خفضه في ستة أشهر إلى 30%، وتحدثت عن “خطين في لبنان: من يريد الكهرباء ومن لا يريدها. ومن لا يريدها هم الساعون الى خصخصة الكهرباء بدولار رمزي، اضافة الى منظومة المولدات والمازوت”.
“القوات”: “العرقلة كذب”
نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني اتهم من يقول إن خطة الكهرباء عُرقلت بـ”الكذب”. وقال لـ”نداء الوطن”: “تم التوافق على خطة للوزير السابق سيزار ابي خليل في مجلس الوزراء تتضمن 12 بنداً وافقت الحكومة على كل النقاط، لكن النقاش ظل يدور فقط حول الطاقة الموقتة المعروفة بالبواخر، وطالبت قوى سياسية بالشفافية عبر ادارة المناقصات، لكن الرفض استمر. ثم طرحت الوزيرة البستاني الخطة مجدداً مبنية على خطة الـ 2010 مع بعض التطوير، ووافقت عليها الحكومة، على أن يبدأ تطبيقها في الـ2019. وطالبتُ مراراً بتقرير تشرح فيه الوزيرة مدى تطبيق بنود الخطة المرتبطة بالـ 2019 التي وافقنا عليها، لا سيما العدّادات الذكية وما تم تركيبه ومستوى تحسين الشبكة ونسبة تنفيذ المشاريع التي رُصدت في الـ 2019، ونسبة تحسين الجباية والفوترة، كل ذلك قبل أن نتحدث بانتاج الطاقة ومعامل الانتاج. وحصل النقاش وُوضع دفتر الشروط ولم تنطلق المناقصة”.
أضاف: “استقالت الحكومة ولم يتحقق من الخطة الا القليل، ولم يكن أحد يعرقل، وطيلة الفترة لم تقل الوزيرة أن أحداً يعرقلها”.
ولفت الى ان “ما اثار الشبهات في البيان الجديد هو اعتماد عبارة كانت تُعتمد دوماً وهي تعديل قانون الكهرباء ومن ثم تشكيل الهيئة الناظمة. فالتعديلات التي يتحدث عنها وزراء الطاقة منذ العام 2010 الى اليوم على هذا القانون تنصب بغالبيتها في مكان واحد: تخفيف استقلالية الهيئة الناظمة ودورها لمصلحة الوزير”.
وشدد حاصباني على “وجوب عدم الخلط بين خطة الكهرباء وبين الطاقة الموقتة للانتاج اي البواخر”، وذكّر بقرار مجلس الوزراء صيف 2017 بالطلب من وزير الطاقة “التعامل مع استشاري دولي لبدء العمل على المعامل الدائمة، فلو تم ذلك لكان بدأ العمل ببناء المعامل الدائمة. فالكهرباء من العام 2010 حتى اليوم كلّفت الخزينة ما يناهز الـ17 ملياراً، واذا اضفنا الفوائد يمكن ان تصل الى نحو 22 مليار دولار ونتحدث عن نحو 43 % من الدين العام. فهل يعقل انه لم ينفذ من الخطة إلا اليسير؟”.
وذكّر حاصباني “بما قيل سنة 2017 بأنهم يريدون البواخر كجزء من خطة انقاذية للصيف، ومرّ الصيف ولم تصل البواخر، ثم مرّ صيف تلو صيف، ما يعني انها لم تعد جزءاً من خطة انقاذية، ما سبب هذا الاصرارعلى البواخر؟”.
“الاشتراكي”: ارتباك بستاني واضح
أما أمين سر “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي ابو الحسن فذكّر بأن “اللقاء” سجل ملاحظات عدة عندما أُقرّت الخطة. وعندما احيلت الى المجلس النيابي في نيسان 2019 اعترضنا على تجديد القانون، ونتيجة النقاش مع الرئيس بري اصرينا على تشكيل مجلس ادارة خلال 3 اشهر وتعيين الهيئة الناظمة خلال 6 اشهر بعد تعديل القانون 462 وطلبنا ان يسجّل كلامنا كتوصية في المحضر. لكن بعد كل هذه الاشهر لم يتحقق شيء لذلك رفعنا الصوت مجدداً، اعتراضنا كان على تنفيذ الخطة. هناك نسبة عجز تقني واداري هم يقولون 34 بالمئة والدولة تقول 40 في المئة وفي الامس تقول الوزيرة انها تراجعت الى 30 وليس هناك اي اثبات فليبرزوا المعطيات التي تؤكد ذلك”.
وقال ابو الحسن لـ”نداء الوطن”: “مر 22 شهراً ولم يُلزّم ديرعمار، فهل نتجنّى؟ وما سبب عدم تشكيل مجلس ادارة الكهرباء؟ لا يريدونه فهو يضعف من سلطة الوزير على المؤسسة ونريدها مؤسسة مستقلة. نسأل بالسياسة وبالارقام وبالمنطق يجيبوننا بالتعمية وبالكلام الفارغ، وارتباك الوزيرة وعدم قدرتها على تبرير الاخفاقات كان واضحا”.
اضاف: “في جلسة مناقشة البيان الوزاري، طالبت الرئيس دياب بأن يتمرد ويخلع عن كاهله العباءة التي يحاولون إلباسه إياها والتي تفوح منها رائح الفساد، في الـ2020 ولا كهرباء لدينا ودفعنا 43 مليار دولار على القطاع والمبلغ يشكّل نصف الدين العام، ويصرّون على الاتيان بمستشارهم على رأس القطاع، فلم هذا الاصرار؟ ومن موقعي كنائب مع زملائي في “اللقاء الديموقراطي” سنكون في المرصاد في كل خطوة في هذا الملف”.
وعن دعوته “التيار الوطني الحر” الى التنحي عن هذا الملف ومن المؤهل برأيه لاستلامه، أجاب: “دعوتنا ليست نابعة من منطلق تصفية حسابات سياسية. هم فشلوا، 9 سنوات والعجز يتراكم، اي في الفترة التي تولوا فيها القطاع، يقولون ان هناك من يعطّلهم فليبرهنوا ويسمّوا الاشياء باسمائها ويقولوا من يعرقل. لا قدرة لديهم، ومشروعهم لا يتلاءم مع مصلحة البلد، واضح ان لديهم مشاريعهم وصفقاتهم الخاصة. فلنسلّم الملف لاختصاصي حيادي خبير مهندس بخلفية نظيفة ولنحشد امكاناتنا السياسية لدعمه لتطبيق الخطة، ولكن الخطة بطياتها تخفي محاصصة وهي ليست محاصصة مالية فقط، قد تكون محاصصة مذهبية ولها آفاق أبعد، تتعلق بالمستقبل السياسي في لبنان. وبطريقة أوضح، معمل في دير عمار وآخر في الزهراني كاف، فلماذا سلعاتا؟ بيئياً هناك فكرة تقول انه لا يجوز بناء معمل فيها، ثم لماذا 3 محطات للتغويز؟ في مصر 90 مليون مواطن مصري لديهم محطة تغويز واحدة وفي لبنان 4 ملايين، نريد انشاء ثلاث، محطة واحدة في الشمال وثانية في البترون وثالثة في الجنوب على قاعدة 6 و6 مكرر، اي اننا نفكر بلامركزية مالية، وفي النهاية سنبدأ بالتفكير بأن نعيش اجواء انفصالية والعودة لزمن الانعزال”.
“التنمية والتحرير”: من عرقل شراء العدادات؟
بالنسبة إلى كتلة “التنمية والتحرير” قال النائب ياسين جابر لـ”نداء الوطن”:”لسنا ضد وضع خطة لكن ما يهمنا هو ان تكون قابلة للتنفيذ وتخدم منطقتي في محافظة النبطية، فهذه المحافظة فيها 450 الف ناخب، وخط النقل الى النبطية يأتي من الزهراني وهو خط قديم ولا يمكن ان يتحمّل اكثر من 90 ميغاواتاً وعندما سألنا في مؤسسة الكهرباء: متى ستنشئون خطاً جديداً؟ اجابوا: وضعناكم على البرنامج سنة 2023، ما يعني معاناة جديدة لسنوات. فعملياً نسأل: هل تروننا في الخطة؟ فرضاً ستأتون بباخرة الى الزهراني لزيادة الانتاج، فماذا نستفيد طالما لستم قادرين على ايصال الكهرباء الى منطقتي؟”.
اضاف: “هل يعقل ان تعلن الطاقة عن تخفيض رسوم الاشتراكات وتقدم مئة الف بطلب تخفيض ومن بينهم عشرات الالوف من المنطقة وطلبوا تركيب عدادات لهم، لكن الفضيحة هي عدم وجود عدادات. والوزيرة البستاني قالت نحاول اجراء مناقصة، فهل هكذا تُدار الامور؟ فعلى اي اساس تشكون من عدم الجباية في هذه المناطق طالما لم تركبوا عدادات؟ ثم ان التوزيع سيئ، وعملياً خطة الكهرباء يجب ان تعالج التوليد وبالتوليد تعالج نوع الوقود المستعمل، اي وقف المازوت وتعالج خطوط النقل والتوزيع والجباية. كل هذه المراحل تتطلب خطة متكاملة لننتهي لمرة اخيرة من الموضوع”. وتابع: “ما فهمته من اوساط الحكومة الحالية انه تتم مراجعة الخطة. فلننتظر التعديلات التي ستوضع”.
وتوقف جابر عند رفض الفريق الممسك بالملف تنفيذ التعهدات التي قطعها، وقال: “ننتقد اليوم ما حصل، والصورة تتحدث عن نفسها، فلو تم تنفيذ شيء لكان ظهر على الارض. يتهموننا بالعرقلة ونحن نسأل: من عرقل لهم شراء العدادات وخطوط النقل؟ من عرقل لهم دير عمار 2؟”.
“التيار” يرد: يريدون المازوت
أكد الوزير السابق سيزار ابي خليل لـ”نداء الوطن” ان “كل الاطراف التي تهاجم الخطة اليوم، وافقت عليها في حزيران 2010 ثم وافقت على كل تحديث طرأ عليها سواء في آذار 2017 وفي آب 2017 وفي أيار 2018 وفي نيسان 2018، وبالتالي الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء أتت بناء على دراسات وزارة الطاقة والملاحظات التي وردت في مجلس الوزراء، والا لما وافقوا عليها بالاجماع”، معتبراً أن “الهجوم على الحكومة هو لانها تبنّت خطة، هم وافقوا وصوتوا عليها واقرت بالاجماع في مجلس الوزراء، والهجوم يخفي نيات خبيثة بتعطيل الكهرباء لان كل الافرقاء الذين امسكوا بكعكة السلطة ما بعد الطائف، بعضهم يتموّل من المجالس والصناديق فيما كلها ممولة من تجارة المازوت، ندرك ان هذه التجارة تنتج مليارين ونصف المليار دولار في السنة للمولدات، تستفيد منها احزاب سياسية معروفة، وبالتالي مصلحتها تأبيد استيراد المازوت وتأبيد الاعتماد على المولدات ولذلك يختلقون العذر تلو الآخر”.
وأضاف: “يوافقون على خطة وعندما تتبنى حكومة اخصائيين غير سياسيين خطة وافقوا هم عليها يطلقون النار عليها وهذا يعني انهم لا يريدون لا خطة ولا كهرباء”.
وشدد على ان “الوطني الحر في وزارة الطاقة لم يقصّر مرة في واجباته، انما وزير الطاقة بمفرده ليس صاحب كل الصلاحيات، فهو لا يستطيع تنفيذ المشروع من دون وزير المال، ولا يستطيع تعديل القانون من دون مجلس الوزراء، ولا يستطيع تعيين مجلس ادارة جديد ولا هيئة ناظمة”، مشيراً إلى أن “الهيئة الناظمة تتطلب تعديلاً للمادة 462 بحسب القانون، فبالتالي تعمية القائمين بالحملة المركزة على قطاع الكهرباء، على كل هذه التفاصيل، تظهر ان هذا الفريق ادرك ان هناك اليوم امكانية وحاجة اساسية لحل مشكلة الكهرباء الامر الذي يهدّد استفادتهم من تجارة المازوت فصوّبوا على الكهرباء”.