كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
على بُعد تسعة أشهر من انتهاء الانتخابات النيابية التي لم تكن بمقدار آمال “تيار المستقبل”، أصدر رئيس “التيار” سعد الحريري سلسلة قرارات تنظيمية وتعيينات كان الأبرز فيها إعادة تعيين أحمد الحريري أميناً عاماً، وتكريس موقع تنظيمي للنائب السابق عقاب صقر كمساعد للأمين العام للشؤون السياسية والتثقيفية.
وكانت استقالةُ نادر الحريري من إدارة مكتب الرئيس الحريري في 12 أيار العام 2018 غداة الانتخابات النيابية، قد ترافقت أيضاً مع سلسلة إجراءات تنظيمية غير مسبوقة في مسار “تيار المستقبل”، بعد منح المكتب السياسي الحريري صلاحياتٍ استثنائية، شملت تجميدَ عمل “هيئة شؤون الانتخابات” ومجالس منسّقيات بيروت والبقاع الغربي والبقاع الأوسط والكورة وزغرتا، وإحالة عدد من الهيئات الى “هيئة الإشراف” للنظر في أدائها.
كذلك شملت الإجراءات، في مرحلة ثانية، إعفاءَ مدير دائرة المتابعة في مكتب الحريري، ماهر أبو الخدود من مهماته، وإعفاء المنسّق العام للانتخابات وسام الحريري من مسؤولياته، فيما عُيّن النائب السابق عمار حوري مستشاراً في مكتب الرئيس الحريري.
ولكن خلال فترة قياسية، انتهت “سكرة” الورشة، وحلّت واقعة “الفكرة”: عادت الفوضى من جديد لتعبث بـ”التيار الأزرق” بعد انغماس رئيسه في “وحول” حكومة العهد الثانية، وغرقه في “كشتبان” الخلافات مع “الرئيس الظل” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. وقع “زلزال 17 تشرين الأول”، وخرج الحريري من الحكومة ومن بعدها من “التركيبة الحاكمة”، ليجلس في صفوف الترقب والانتظار. ولهذا قرر العودة إلى “الجذور”، إلى نبض شارعه، إلى تياره، كونه “مركز جاذبية وجوده”. يدرك الحريري أنّ ترتيب بيته الداخلي هو حجر الأساس للصمود في وجه العواصف التي تهب عليه من كل حدب وصوب. ولذا قرر تركيز جهوده على هذا الملف.
فاجأ الحريري جمهوره يوم 14 شباط بتقديم مراجعة صريحة وشفافة إزاء رؤيته لـ”تيار المستقبل”. قال “هناك ملاحظات وانتقادات وصلتني من كل المنسقيات والمناطق، ومن حزبيين ومناصرين يطالبون بتغيير أساليب وأدوات العمل. ويقال: ليس مقبولاً أن يعمل التيار باللحم الحي، ويكون ملجأً لمتسلقين ووصوليين ومستوزرين، بعض الانتقادات موجهة إلي شخصياً، ولحالة الانقطاع بين القيادة والقاعدة، وهناك شبان وشابات قالوها بوجهي، وطلبوا مني حضوراً أوسع بعمل التيار”.
وأكد أمامهم “قراري واضح: قراري التغيير بالتيار، التغيير وإعادة الهيكلة، المؤتمر العام للتيار سيعقد في الأشهر المقبلة، وستنتخبون قيادة جديدة، تكون شريكاً فعلياً بالقرار السياسي والتواصل المباشر مع الجمهور”.
بالفعل، لم تمض أيام قليلة على المراجعة حتى دعا الحريري المجلس المركزي لاجتماع في حضور كتلة “المستقبل” النيابية واعضاء المكتبين السياسي والتنفيذي للتيار وفريق العمل في مكتبه ايذاناً بانطلاق الورشة التنظيمية.
عملياً، دخل “تيار المستقبل” عام المؤتمر العام الذي يعقد كل أربع سنوات، ولهذا فإنّ الورشة المنتظرة ستكون نتاج هذا المؤتمر وخاتمة أعماله، وبداية انطلاقته المتجددة، اذا ما تطابقت حسابات الحقل مع حسابات البيدر.
لا ينكر “المستقبليون” أنّ حاجة تيارهم إلى نفضة شاملة تمكّنه من مواكبة التحديات المستجدة، باتت ملحة. بالأساس، يسود الاعتقاد أنّ الهيكلية المعمول بها منذ التأسيس باتت “بالية” وتحتاج إلى تجديد خلايا وتنقيح وتحديث. كما أنّه، بعد 17 تشرين الأول ليس كما قبله. التغيير في المزاج العام عميق ولا يمكن اصلاحه ببعض مساحيق التجميل. ثمة حاجة إلى مقاربات مختلفة. ساحات الاعتراض استضافت “مستقبليين” كما غيرهم من الحزبيين الناقمين على قياداتهم وأحزابهم. ولهذا، يفترض بأي ورشة حزبية أن تعالج مكامن الخلل التي تصيب الأحزاب، والتي ظهّرها الحراك الشعبي. ويبدو أنّ “تيار المستقبل” قرر الانطلاق “في نفضته” من هذا الواقع المتغيّر.
بهذا المعنى، حرص الحريري خلال الاجتماع أمس، وفق المعلومات، على وضع مواصفات جديدة لشكل القيادة التي ستفرزها الورشة التنظيمية. قال أمام حزبييه إنّ “المرحلة تقتضي إحداث صدمة ايجابية أمام الرأي العام ربطاً بالمتغيرات الحاصلة من حولنا”. وتحدّث عن الروحية الواجب على مسؤولي المرحلة المقبلة التحلّي بها: الكفاءة، التواضع، والانتاجية. قال لهم بالحرف الواحد: “نحن نريد خدمة الناس لا ممارسة الزعامة عليهم”.
قد تصنف هذه المعايير في خانة الكلام المنمّق الذي يوثّق للتاريخ فقط. ولكن بالنسبة “للمستقبليين”، فإنّها تعني الكثير: تعني وضع حدّ للاستثناءات التي نمت على ضفاف “التيار” طوال فترة غياب رئيس الحزب بفعل انشغالاته الحكومية، وتعني أيضاً قصقصة الأجنحة الفرعية التي اتخذت من “تيار المستقبل” ساحات داخلية لها.
بموازاة هذا التوجه، ثمة ثابت أكيد يبدو أنّ الورشة ستدور حوله: رئيس التيار سيكون حاضراً في كل تفاصيل حزبه. قالها الحريري وكررها بالأمس إنّه سيتفرّغ للعمل الحزبي، ليس حضوراً فقط وانما من باب متابعة كل شاردة وواردة.
ولهذا ستعمل الورشة التنظيمية على وضع الأطر اللازمة لتفعيل التواصل بين الرئاسة وبقية المواقع الحزبية، على أن يتولى الحريري الإشراف المباشر على العمل التنفيذي لمعالجة الخلل في التنسيق بين الامانة العامة والكتلة النيابية والمكتب السياسي وبقية المستويات الحزبية، وذلك مقابل العمل على تشذيب بعض الأطر الحزبية التي أثبتت التجربة أنها فضفاضة، وتكريس مبدأ المحاسبة.
ومع ذلك، ينفي “المستقبليون” أن يكون التوجه إلى مزيد من التشدد في الطابع الرئاسي للحزب، مؤكدين أنّه سيصار إلى دراسة التجارب الحزبية المشابهة لحالة “المستقبل” لاختيار الآليات المناسبة.
وبالانتظار، يفترض أن يكون التغيير في الوجوه القيادية مؤجلاً إلى حين انعقاد المؤتمر العام، حيث يعتبر “المستقبليون” أن خيار العودة إلى اجراء الانتخابات بدل التعيين، ليس محسوماً خصوصاً وأنّ تجربة الانتخابات التي جرت خلال المؤتمر الأخير في العام 2016 أفضت إلى الكثير من الاشكالات والحساسيات بين المسؤولين ما دفع الحريري الى تجميد بعض المنسقيات. أما بشأن القدرة على تشجيع الحزبيين على المشاركة في الورشة في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة، فيردّ المستقبليون: “من حسنات الأزمة التي وقعت أنّها غربلت الناس ومن بقي إلى جانبنا فلديهم من الحرص على التيار وعلى الرئيس الحريري ما يكفي للقيام بانطلاقة متجددة”.