كثّف الفريق الرئاسي ومعه بطبيعة الحال، التيار الوطني الحر، ضغوطه في اتجاه كشف مصير الاموال التي هُرّبت الى الخارج في الاشهر الماضية. عصرا، ينزل الحزب البرتقالي الى الارض للتظاهر امام المصرف المركزي، محمّلا حاكمه رياض سلامة مسؤولية عمليات التحويل التي جرت. وقبيل هذا التحرك، صعّد رئيس التيار النائب جبران باسيل نبرته فغرد “لا للمسّ بليرة او دولار من اموال الناس قبل معرفة مين بعد ١٧ تشرين حوّل أموال للخارج وكميتها، ولازم اعادتها؛ كل مبلغ تحوّل للخارج سنة ٢٠١٩ بطريقة استنسابية حرم يلّي خلّوا اموالهم بلبنان من فرصة الحصول عليها. المصرف المركزي بيعرف وبيقدر وهو لازم يكون بخدمة الدولة والناس مش العكس”. أما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فتوقف عند هذه القضية قبل الظهر في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا، فقال “ثمة معلومات لا نزال بحاجة اليها تتعلق بالوضع المصرفي، وهناك اجراءات سنتخذها ليتحمل المسؤولية كل من ساهم بإيصال الأزمة الى ما وصلته من خلال عمليات غير قانونية، والمسؤوليات ستكون جسيمة”…
بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية” فإن التحقيق في التحويلات، أكثر من ضروري. وقد شكّل منذ 17 تشرين احد أبرز مطالب الثوار الذين نزلوا الى الشوارع، والمطلوب بحسب المصادر، التوقف عند شقين في هذه المسألة: سبب سماح بعض المصارف لاشخاص محددين دون سواهم، بنقل مبالغ هائلة من الاموال الى الخارج، من جهة، ومصدرُ هذه الاموال وما اذا كانت مرتبطة بتصرّف مشبوه او “غير بريء” بالمال العام، من جهة ثانية.
المصادر تشير الى ان التعويل لكشف الحقائق في هذه المسألة، هو على القضاء، فقط لا غير. والآمال تُعقد على التشكيلات القضائية التي باتت شبه منجزة وقيل انها بعيدة من اي تدخلات سياسية، ليتمكّن من الذهاب الى النهاية في هذا الملف وصولا الى استعادة هذه الاموال، ووضع مَن استسهلوا نهبَنا وإذلال اللبنانيين على ابواب المصارف، خلف القضبان… نقول ذلك، تتابع المصادر، لان القوى السياسية يبدو اختار كلٌّ منها التركيز على ملف “واحد”، من ملفات الفساد الكثيرة التي فرض الثوار فتحها، بعد ان وجدته الاقل ضررا لها والاكثر كلفة لخصومها.
تأكيدا على ذلك، نرى مثلا ان تيار المستقبل قرر حملَ لواء “الكهرباء”، في وجه اصرار البرتقالي، حليفه الاقوى حتى الامس القريب، على نبش اوراق الحاكم سلامة والمصارف. وفي السياق، جدد رئيس الازرق سعد الحريري امس القنص على الفساد في الطاقة، فقال “المشكلة الحاصلة في البلد وما تشهده المصارف والهجوم الحاصل على حاكم مصرف لبنان، كل ذلك يدل على وجع الناس. ولكن بالمقابل، هناك أفرقاء سياسيون يحاولون استخدام هذا الهجوم للتعمية على ما أوصلنا فعلا إلى هنا. فإذا كانت فاتورة الكهرباء تشكل نصف خدمة الدين العام، فهذا يعني أن المشكلة هي هنا وليس في مكان آخر. فلماذا اضطررنا لأن نستدين 45 أو 50 مليار دولار من أجل الكهرباء؟ وهنا تكمن المسؤولية. دائما يقال أن اقتصادنا ريعي، صحيح؟ لكن المصارف تديّن القطاع الخاص في البلد بقيمة 55 مليار دولار، فكيف يقال أنه ريعي؟
هذا الاشتباك “الكيدي” يُثبت أهمية وجود قضاء مستقل، يقف في موقع “المُترفّع” عن الضوضاء السياسية والحسابات الضيقة لهذا الطرف او ذاك، ويفتح الملفات كلها، دون استنسابية او استثناء. فليس شخص واحد او جهة واحدة او وزارة واحدة، المسؤول عن ايصال المركب اللبناني الى الغرق، بل أداء فاشل مارسته السلطات المتعاقبة منذ عقود على الحكم، وفي الادارات كلها. القضاء وحده قادر على المحاسبة ليتحقق الاصلاح والتغيير والمحاسبة لئلا تتكرر هذه الخطيئة.. فهل يتحرك أو هل يتركه السياسيون يتحرك؟