تتفاقم الازمة الاقتصادية – المالية يوما بعد يوم في انتظار ايجاد حل لها من خلال الاجتماعات واللقاءات المكثفة التي يعقدها كبار المسؤولين اللبنانيين مع كافة الاطراف الاقتصادية والمصرفية، ومن المتوقع ان تتوج هذه اللقاءات باجتماعات تعقد خلال الساعات المقبلة مع وفد صندوق النقد الدولي الذي يزور بيروت بناء لطلب من الحكومة اللبنانية للتشاور وتقديم المشورة التي يمكن ان تنقذ لبنان من ازمته من خلال خبرة الصندوق التقنية، خصوصا ان هناك تسابقاً مع الوقت لاتخاذ القرارات بشأن سد او عدم سد متوجبات لبنان بالنسبة الى سندات «اليوروبوند» والمستحق اولها في التاسع من شهر اذار المقبل والتي تمتد الى تموز المقبل، في ظل حديث عن ان القرار اللبناني مهما يكن سيكون صعبا ومصيريا للحكومة الجديدة التي تواجه ازمات غير سهلة، من هنا فإن التوجه حسب اخر المعطيات والمعلومات المواكبة للموضوع تشير الى ان القرار سيكون بإعادة جدولة الدين حسب خطة واضحة المعالم.
بالتوازي يعيش المواطن اللبناني حبس انفاس، وترقبا لمصير مستقبل ودائعه في المصارف في ظل استمرار الازمة المالية، وتؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ«اللواء» ان الامور غير مقفلة تماما، وان هناك امكانية للوصول الى حلول، خصوصا ان اوضاع اقتصادية ومالية اكثر صعوبة وتعقيدا عانت منها عدد من الدول وتم تخطيها، لذلك فان لدى لبنان فرصة اكيدة للخروج منها باعتبار ان هناك نوايا لتسهيل عمل ودعم الحكومة، وهي مصممة على المضي في اتخاذ اجراءات واصلاحات جدية، خصوصا انها تعلم مستوى التحديات التي تواجهها في ظل استمرار وضع لبنان تحت المجهر الدولي الذي يؤكد صراحة ان لا نية لديه لتقديم اي دعم اومساعدة قبل بدء تطبيق الاجراءات الاصلاحية.
وفي هذا الوقت، يواصل رئيس مجلس الوزراء حسان دياب استقبالاته للسفراء الاجانب لشرح خارطة العمل الحكومية التي ينوي تنفيذها، وتشدد المصادر على ان معظم من يلتقيهم يصغون اليه باهتمام كبير ولكن دون اعطاء اي وعود .
وتشدد المصادر على انه وكما اصبح معلوما فان رأي صندوق النقد الدولي لا يعتبر لبنان ملزما بتنفيذه، حيث ان الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة في هذا الاطار، وتلفت المصادر الى ان الدولة لن توفر جهدا للوصول الى القرار الصائب والمناسب لظروف لبنان بالنسبة للدفع سندات «اليوروبوند» او عدمه، وتكشف هذه المصادر عن ان مكاتب السراي الحكومي تحولت في الايام الماضية الى خلية نحل اقتصادية، حيث تعقد الاجتماعات تحضيرا لوضع رؤية لبنان وبرنامجه الانقاذي – الاقتصادي والاجتماعي لمناقشة وشرح كل الازمة ومفاعيلها امام وفد صندوق النقد الدولي، والاصغاء لما يمكن ان يطرحه الصندوق من آراء بالنسبة لهذه الازمة التي نعاني منها، خصوصا ان عدة اجتماعات عقدها الرئيس دياب مع وفد البنك الدولي كذلك مع مؤسسة التمويل الدولية لهذه الغاية وكلها تصب في اتخاذ القرارات الصائبة.
مصادر سياسية متابعة لملفات دولية اقتصادية مرت بازمات شبيهة بما يمر به لبنان حاليا تشرح عبر لـ«اللواء» اوجه الشبه بين كل من لبنان واليونان وقبرص، وتشير الى ان الازمات الاقتصادية في اي دولة من الدول يكون معروفا كيفية حلها لدى المسؤولين فيها، واول المعالجات الانقاذية تكون بوجوب تطبيق الاصلاحات والشفافية في الادارة وتحديدا في القطاع العام، وتذكّر المصادر بما قامت به الحكومة اليونانية في ظل الازمة الاقتصادية التي عانت منها من خلال التركيز على ضبط الانفاق، واعادة النظر في التقديمات التي كانت تمنحها لموظفي الدولة، بالاضافة الى هذه الاجراءات فقد اضطرت الحكومة لرفع الضريبة على القيمة المضافة بشكل كبير، كذلك تمت خصخصة الكثير من القطاعات، ولكن المصادر ترى ان هناك فرقا بين لبنان واليونان بالنسبة لموضوع الخصخصة باعتبار ان الثانية هي احد دول الاتحاد الاوروبي التي تراقب الشفافية المتبعة في عمليات الخصخصة لاستمرارها بدعم الدول المنضوية بها، اما في لبنان والذي يعتبر من دول العالم الثالث فليس هناك من رقيب ولا حسيب في تطبيق قواعد الشفافية في الخصخصة فيه، حيث ان المحسوبيات هي التي تسيطر عليه، لذلك يبقى هناك خوف من ارساء خصخصة بعض القطاعات على مقربين من بعض السياسيين.
وتشير المصادر الى ان اليونان تعتبر اليوم دولة نظيفة اداريا وهي اتبعت نصائح صندوق النقد الدولي والتي يعتبرها البعض قاسية، ولكن الاجراءات التي تم اتخاذها دفعت الاتحاد الاوروبي لتقديم الدعم والمساعدة المادية لبعض القطاعات فيها، وهي اليوم تعالج موضوع الدين العام لديها، مع العلم انها تعد من اكبر الدول التي تستقطب السياح حيث يصل عددهم سنويا الى قرابة 32 مليون شخص وهذا الامر ساهم ايضا بحل ازمتها.
ولكن لا تغفل المصادر على ان اليونان تختلف عن لبنان ديموغرافيا حيث ان هناك 95% بالمئة من اليونانيين من طائفة واحدة وليس لديهم احزاب متعددة معارضة باستثناء حزب اليسار وما يسمى بالفوضويين. اما في لبنان فهناك 18 طائفة ، وان اي اجراء ربما ارادت الدولة اتخاذه في قطاع معين قد تعتبره بعض الطوائف موجهاً لها ويمس بحقوقها، فرغم ان لبنان له ميّزة بتعدد طوائفه ولكن في نفس الوقت هناك سلبيات لهذا التنوع، خصوصا ان لبنان اصبح حاليا متروكاً من حيث الدعم والمساعدة وليس له حضن يدعمه لا عربيا ولا دوليا.
اما بالنسبة الى قبرص التي عانت من ازمة اقتصادية مادية بلغت اوجها في العام 2013 وهي بدأت ازمة مصرفية ومن ثم تضخما في اسواق العقارات فيها، فاقتصادها حسب المصادر يشبه اقتصاد لبنان لانه صغير ومبني على خدمات، وهي استعانت بصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي حيث تم اعداد خطة انقاذية بلغت نسبتها 10 مليارات يورو، في مقابل التزامها تخفيض العجز في موازنتها مع ضرورة تنفيذ سلة اصلاحات ورفع بعض الضرائب وتنفيذ عملية خصخصة لبعض قطاعات العام، وهي مرت بازمة ديون سيادية شبيهة بما يمر به لبنان حاليا مما دفعها الى اعادة هيكلة ديونها في تلك الفترة.
وتشير المصادر الى انه ومن خلال الاجراءات والاصلاحات الصارمة التي اتخذتها بناء للمشورة الدولية انقذت اقتصادها خلال سنوات قليلة ومن ثم بدأت بتسجيل نمو اقتصادي.
لذلك ترى المصادر ان لبنان ليس امام حائط مقفل ويمكنه انقاذ نفسه اذا صفيت نوايا المسؤولين فيه، وقام بتطبيق خطة اصلاحية واجراءات شفافة.