سنة 1952 طلب الرئيس بشارة الخوري من قائد الجيش فؤاد شهاب أن ينزل الجيش لقمع المتظاهرين فأجابه شهاب بأن الجيش للحدود وليس للداخل، فقدّم بشارة الخوري استقالته
لم يكن هذا الجيش جيش فؤاد شهاب! تركنا ندخل رسمياً المرحلة السوفياتية في حياتنا السياسية، وكنا لسنوات على أبوابها!!! الآن بعد حكومة «المستشارين» خلف جدران «برلين» وبعد ان سمى السوفيات اللبنانيون الوزراء، وقفت حكومة «المستشارين» خلف جدران برلين تحيط بالمجلس النيابي، وسط هدير الثورة العارمة ودماء جرحى المتظاهرين بالمئات، وقفت حكومة المستشارين تطلب ثقة من عيّنوهم بعد سقوط ثقة الشعب بهم!
والبيان الوزاري!!! أوراق لسلّة المهملات كما هي العادة! ولم يكن يُطبّق حرفاً منه على مرّ الأيام، وهو بيان يكرر البيانات الماضية ولكن على أسوأ بكثير! في البيانات السابقة ورد «النأي بالنفس» مثلاً في الوقت الذي كانت ميليشيات حزب الله تفتك بالمعارضة السورية! والكهرباء ما زالوا على تقاسم الفساد و… و… هذا حتى في البيان الوزاري!
وقد كشَّفت حكومة «الثلاثي» المأمورة والمصنوعة من بقايا آل الأسد ومن ملالي ايران، كشّفت عن أنيابها دفاعاً عن مواقعها الاستبدادية، وفسادها، وعن الطبقة كلها التي تزكّم الأنوف رائحة فسادها! وما زال أمر الفساد مستمراً! كشّف الغطاء بل سقطت ورقة التوت، وانكشفت عن الطبقة الفاسدة، عقيدتها البوليسية.
حكاية زياد أسود: وبوسطة عين الرمانة
فالحزب العوني الذي تحوّل الى ميليشيا بوليسية ظهر بشكل معيب في مسرحية نائب جزين العوني زياد الأسود، الذي أراد تحدّي مشاعر الناس الجائعين الذين يرونه يلتهم الطعام بقابلية وشراهة ويدفع الحساب من الأموال التي اغتصبها بواسطة ميليشياته من هذا الشعب المسكين! الأسود العوني جاء من جزين الى جل الديب اولاً فوقعت الواقعة واستعان بالنواب والوزراء العونيين الذين جاؤوا لنجدته مع ميليشياتهم العونية!!! وكان الانفجار على شاشات التلفزيون! وكان الأخطر هو الانفجار الثاني بتحديه مشاعر الثوار، بأن يكرر الزيارة من جزين الى جونيه هذه المرة، ومعه «الغستابو» العوني بكامل عدته وعديده!!! وكانت «مأساة» جونيه التي خرج النائب الأسود العوني من شباك المطعم المطل على البحر، بعد ان دخل من الباب، ليستقل مركبة صغيرة يعود بها الى جزين حيث انتفض عليه اهل جزين الشرفاء. ولكن الذي حصل في جونيه كشف الطبيعة الحقيقية، وغير اللبنانية، للميليشيا العونية التي تحولت فعلاً الى ما يشبه الحزب النازي الألماني، وميليشيا «الغستابو» التابعة له، أقول ان الذي كانت تعده الميليشيا العونية النازية «بوسطة عين الرمانة» من جديد! لاسيما والناس يشاهدون على التلفزيون كل ما يحصل! حين وقع التشابك بين المتظاهرين الشرفاء والعونيين «الإيرانيين» مناصرو ما تبقى من آل الأسد وإيران!
انقضّت الميليشيا العونية التي تحمي «الأسود» على شاب في العشرين من عمره، جاء من طرابلس ليناصر المتظاهرين في جونيه تعبيراً عن تضامن طرابلس، عروس الثورة، مع كسروان تأكيداً لكون الثورة، ثورة لبنان من كل المناطق.
انقضّت الميليشيا العونية على ابن طرابلس: من اين أنت؟ وشو جايي تعمل بجونيه؟ وانهالوا عليه ضرباً مبرحاً امام قوى الأمن المتفرجة! ثم فتحوا نار الشتائم على كل مقدسات المسلمين الدينية!! حتى وصلوا الى العزة الإلهية!! وهذا معدنهم! ولكن جونيه الأبية هبّت برجالها ونسائها في اعتصام استنكار عمّ المدينة كلها تضامناً مع طرابلس، ومن جهتها، تظاهرت طرابلس تحية لكسروان وتأكيداً على التضامن الإسلامي المسيحي الذي يسعى العونيون الى هدمه بحرب أهلية!
حكاية الجنرال ميشال عون كما يرويها الشّرع
وهذا يطرح حكاية ميشال عون1 (التي يرويها فاروق الشرع، وزير خارجية حافظ الأسد، مفصلة) الذي انتهى رابحاً بتسوية سياسية لرئاسة الجمهورية بفضل سعد الحريري. كانت غلطة عمر سعد الحريري أنه لم يسأل نفسه وضميره: من اين جاء هذا الزعيم الذي كان يرفع في الماضي شعارات هي نقيض شعارات اليوم؟ جاء من قيادة الجيش الى رئاسة الوزارة العسكرية ليعرض اتفاق ولاء مع حافظ الأسد في ذلك الوقت، واعتمده الأسد لانتخابات رئاسة الجمهورية. ولكن صدام حسين الذي كان بالمرصاد للأسد أرسل للجنرال عون في ذلك الوقت ياسر عرفات برسالة يقول فيها ان حافظ الأسد قد انتهى بسقوط حائط برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي الذي ربط سوريا به! وليس بوسعه ان يفرض تعيينه حاجباً في هذه الظروف، وليس لك غيري، غير سياستي!
وفكر الجنرال بالأمر، ووجد أن صدام حسين مصيب، فنقل «البارودة» من كتفه السوري الأيمن لكتفه الأيسر العراقي وابرم اتفاق ولاء مع صدام حسين نقيضاً لاتفاقه مع الأسد. وارتكب صدام حسين في ذلك الوقت الخطيئة المميتة، باجتياح الكويت وما نجم عنه!! فلم يعد بإمكان صدام حسين ان يفرض تعيين الجنرال حاجباً في ظروف ما بعد تدمير العراق بالحلف الدولي الذي قادته اميركا مستندة الى قرارات الأمم المتحدة!
وحرّر الكويت من صدام، كما أنقذ الأسد وأعاد الاعتبار لدوره لأنه انضم للحلف الدولي الذي دخل الكويت لتحريرها فعاد الجنرال الى حافظ الأسد ليستغفر، ولكن الأسد المحنك طرده!!! وإذ ذاك، وإذ ذاك بالتحديد، أعلن الجنرال حرب التحرير على الوصاية السورية التي كانت تعبث بالبلاد فساداً!! ورفع الصوت لأول مرة من القصر الجمهوري على ارتكابات الوصاية السورية. فتحول الى بطل مسيحي، ولأن الحرب الأهلية كانت في عزّها، فإن الموقف الإسلامي بقي أضعف من القبضة السورية ليعبّر عن تأييده للجنرال عون.
ثم كان الذي كان من قصف القصر الجمهوري. وهرب الجنرال الى السفارة الفرنسية تاركاً عائلته بالقصر، ثم هربه الى فرنسا حيث كان لجوؤه الى باريس فإلى… فإلى… الى ان اغتيل رفيق الحريري وتغيرت المعادلات إثر ذلك فكان لقاء الجنرال مع كريم بقرادوني!!!
وأتى الجنرال، الى الاتفاق مع لحود والمخابرات السورية لعودته الى لبنان على أساس عفا الله عما مضى! حيث سبقه الصهر «الشرير» جبران باسيل الى بيروت، ليهيئ اتفاقاً بين الجنرال وبين حزب الله، وكانت هذه فرصة ذهبية لحزب الله الذي كان في تلك الفترة ميليشيا عسكرية تمسك مع الدعم السوري بكثير من مقاليد جزء من الدولة المنقسمة الخاضع لسلطتها!
وكان حزب الله وقتها يحكي عن تحرير لبنان من سيطرة إسرائيل، ولم يكن قد سار على المسار العربي الذي يرفع شعب وتحرير فلسطين وينكل ويفقر شعبه ولا يحرر فلسطين.
وعاد الجنرال عون الى لبنان كما عاد ديغول الى فرنسا، ليُستقبل كما استُقبل ديغول في فرنسا في زمن سقوط هتلر! وبسرعة رتب الصهر لقاء «مار مخايل» مع حزب الله الذي فيه تحالف وثيق بين الطرفين: حزب الله يحارب لتحرير لبنان – ولم يكن تحرير فلسطين قد جاء دوره بعد- والجنرال برصيده «الوطني» وقتها، يقدم الدعم السياسي والتغطية لحزب الله ويقدمه حزب الله على انه زعيم للمسيحيين واعداً باسترداد قوتهم السياسية ما قبل الطائف. وكان «مار مخايل» اول صدمة لفريق 14 شباط! لأن في حقيقته التزام من حزب الله بالمجيء بالجنرال عون لرئاسة الجمهورية! وجربه حزب الله مثنى وثلاثي ورباعي، لأن تاريخه في التقلبات صار معروفاً ومشهوراً! ونجح ميشال عون في الامتحان. وكان للصهر جبران باسيل الموعود بالرئاسة بعد الجنرال، كان له دور الجسر الدائم المستدام الذي أصبح أكثر حماساً لحزب الله ودوره من حزب الله نفسه! ونسي الجنرال والصهر ان وراءهم حرب التحرير في القصر الجمهوري أيام زمان! ومع ذلك فإن الجنرال «ديغول» تحول الى الجنرال «بيتان» بين ليلة وضحاها. وقد وصف وقتها وليد جنبلاط مجيء الجنرال عون بأنه «تسونامي» وظنّ اللبنانيون الطاهرين ان جنبلاط يفتري على الجنرال! ولكن وليد جنبلاط كان يعرف ومطلعاً على حقائق لم يعرفها اللبنانيون.
في تلك الفترة تذكر اللبنانيون صدق قول ضمير لبنان الوطني ريمون اده حين رفض استقبال ميشال عون في باريس «انه رجل متقلب، وإذا وصل فالويل لكم يا لبنانيين».
وصول عون للرئاسة
وتوثقت العلاقة بين عون والصهر من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، وأصبح عمل حزب الله على مساندة وصول عون الى الرئاسة أكثر من اهتمامه بتحرير لبنان!!! وصار عون حزبياً، وصار الحزب عونياً. واحكم حزب الله سيطرته الكاملة على مقاليد السلطة عند جلاء قوات الأسد من لبنان، ليصبح من خلف الستار هو الآمر والناهي في سياسة وتركيب الدولة والحكومات والموظفين و… و…، ليتحول بعون إيران بالأسلحة والأموال كما اعترف أمينه العام على الملأ بذلك!
وتحول حزب الله الى دويلة، وصارت بيدها كل المفاتيح، ولم يعد ينقصه سوى رئاسة الجمهورية تماماً كما حصل مع «الدويلة» الفلسطينية أيام زمان!
ووصل ميشال عون الى الرئاسة بالتسوية التي لا تغتفر من سعد الحريري، الذي ما كان رفيق الحريري ليخطو خطوة متهورة مثلها!!! وكانت تجربة السنوات الثلاث في الحكم الشكلي للحريري (وباسيل هو المحرك لكل الأمور) كانت تجربة دراماتيكية للحريري!
والحريرية، ضعفت بعدها كثيراً، حتى وصل غضب السعودية لتتصرف مع سعد الحريري خلال اقامته الجبرية في السعودية على الشكل الذي لم تتصرف به يوماً في علاقاتها مع الشخصيات الكبيرة! ولكن الشرخ السعودي كان كبيراً وما زال حتى اليوم.
الآن، اين نحن؟
وصلنا الى الانهيار التام وما تحت القعر بكثير!
* «مسرح الساعة العاشرة» اللبناني شغل الحياة السياسية اللبنانية وهو مسرح ساخر سياسي لاذع وذكي ومهذب عربي فرنسي، تعليقاته على الحياة السياسية اللبنانية بأسلوب متفوق في السخرية، ولا يترك حدثاً أو شخصية سياسية الا ويشملها «بعطفه» وكان السياسيون اللبنانيين الذين يقرأون ويكتبون يحضرونه مرّة ومرتين ويضحكون كثيراً لا سيما حين يأتي دورهم وهو على شاكلة المسارح السياسية الفرنسية الكثيرة، ولكنه بكل تجرد كان متفوقاً عليها. أقفل أبوابه عند بداية الحرب الأهلية سنة 1975.