كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
على رغم الوعود بإجراء معالجات جديّة للأزمة الإقتصادية والمالية التي تضرب لبنان، إلا أن الوضع يتدحرج بسرعة نحو الحضيض بعد عجز الطبقة الحاكمة عن إيجاد حلول.
لا يمكن تحميل عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كل تبعات الأزمة، إذ إن الفساد بدأ وكذلك النهب منذ ما بعد “اتفاق الطائف” وبرعاية سورية، لكن في مكان ما لا يمكن فصل الإنحدار الإقتصادي عن المسار السياسي المتبع، والذي تُوج العام 2016 بانتصار محور “الممانعة” في المنطقة، حسب تعبير رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وإيصال رئيس جمهورية من هذا المحور هو عون.
مع عودة العماد عون من المنفى الباريسي في 7 أيار 2005 بدأ سلوك طريق مغاير للخط المسيحي التاريخي، إذ إنه استخدم مصطلح “المسيحية المشرقية” لمدّ جسور تحالف مع النظام السوري وإيران، وتحت هذا الشعار صالح الرئيس السوري بشار الأسد وبدأت رحلات الحج العونية إلى براد السورية، وتمّ استغلال هذا الشعار للمتاجرة السياسية وبناء تحالفات لا تمت إلى الواقع المسيحي بصلة.
وصل عون إلى الرئاسة وبدأ رحلة الدفاع عن “حزب الله” والنظام السوري وإيران وزايد وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في هذه النقطة، وأخذ المسيحيين ومعظم اللبنانيين إلى مكان لا يرغبون به، وبعد انقضاء 3 سنوات من عهده بات لبنان تحت الحصار العربي والدولي، وانقطعت معظم العلاقات اللبنانية مع دول العالم.
قد تكون تغريدة الوزير العوني السابق غسان عطالله منذ 4 أيام أكبر دليل على التصاق “التيار الوطني الحرّ” بالمحور السوري، في وقت تعاني البلاد من العزلة بفضل سياساتهم، إذ أصبح الرئيس بشار الأسد الذي حارب نظامه المسيحيين وهجّرهم وضرب لبنان، بالنسبة لهذا “التيار”، مثالاً يحتذى به وبأقواله، فقد قال عطالله على “تويتر”: “إنتصرنا على الشك والخوف والخيانة. كلمات قالها الرئيس الأسد بعد ما حققه الجيش السوري فأنبتت في داخلي المشهد في لبنان بما فيه من خوف وشك وخيانة، إننا إذ نبارك لسوريا بانتصارها على الارهاب نعمل لأن ينتصر لبنان على جراحه بعدما كان دحر الارهاب بقوة جيشه ومقاومته وحكمة الرئيس عون”.
يمكن لأي زعيم سياسي أن يذهب في الإتجاه الذي يريده، لكن رئيس الجمهورية مسؤول عن شعب وليس عن مناصريه فقط، فمن بنى علاقات جيدة وسلّف دول “الممانعة” يجب أن يحصل في المقابل على دعم من هذا المحور عند وقوع الأزمات، وهنا يسأل المواطنون: أين الدعم من محوركم الذي تقولون أنه هزم أميركا، فهل هو غير قادر على مساعدة لبنان في أزمة مثل هذه؟
لا شكّ أن الخلاف على الإتجاه السياسي المسيحي بعد العام 2005 كان مدار جدل منذ ذاك الحين، فمنهم من رأى أن الإنقسام المسيحي بين المحور السني والمحور الشيعي مفيد للمسيحيين والبلد على حدّ سواء، في وقت تمسّك عدد من المسيحيين بالدور التاريخي الذي اضطلع به الموارنة وهو صلة الوصل بين كل مكونات الوطن أولاً، وبين الشرق والغرب ثانياً.
وفي هذا الإطار، أثار الوضع الذي يمرّ به لبنان والحصار المفروض والسياسات المتبعة، خصوصاً لجهة إصرار رئاسة الجمهورية والحكومة والسلطة مجتمعةً الإرتماء في أحضان محور “الممانعة”، غضب المراجع الروحية المسيحية، والتي ترى في هذه السياسة تغيير وجه لبنان.
وتسرد المراجع تاريخ الموارنة في العلاقة مع الغرب ومع فرنسا تحديداً والإستفادة من خبرات الفاتيكان التعليمية والدول الأوروبية لتطوير المجتمع المسيحي واللبناني، من ثمّ فترة حكم الأمير فخر الدين المعني الثاني ودور الموارنة في تقوية علاقاته مع الغرب وانعكاس ذلك على تطوير اقتصاد لبنان ونمط عيشه، كل هذا المسار التاريخي بات في مهب الريح بسبب سياسة فريق لبناني يستقوي بالسلاح.
وتشدّد المراجع على أن القضية ليست أكل pizza أو burger أو ارتداء ملابس أوروبية أو السير على الموضة الغربية، بل إن الخطورة في المسألة أن هناك جهة دخلت على الخطّ وتريد فرض نموذج حياتها على اللبنانيين، وتريدك أن تعيش مثلما يعيش الشعب الإيراني الذي هو أصلاً غير راض عن عيشته وينتفض كلما سمحت له الفرصة.
وفي داخل الكنيسة المارونية صوت يصرخ كفى، كفى لكل الجهات المسيحية التي حاولت استغلال المسيحية المشرقية لأهداف سلطوية، وكفى لكل من يحاول ضرب علاقات لبنان بالشرق والغرب على حد سواء، وكفى لكل مسلسل السرقات والنهب وسوء الإدارة، وتستشهد بما قاله مطران بيروت بولس عبد الساتر في عظة عيد مار مارون، من أن الأفضل للمسؤول الرحيل إذا كان غير قادر على تحقيق آمال الشعب.
وفي السياق، فإنه يوجد في الكنيسة ممتعضون من السياسات المتعاقبة التي عزلت لبنان عن محيطه وعلاقاته الخارجية، إذ إنها تعتبر أن المسيحية براء من كل محاولات الإستغلال السياسي ولا يعنيها تمدّد هذه الدولة أو تلك، والمسيحيون ليسوا أكياس رمل لأي دولة وكذلك اللبنانيون، ومن له مشاريع خارج الحدود فليذهب لوحده ولسنا مضطرين كشعب لبناني تحمل تبعات حروبه العبثية.
وتؤكد الكنيسة أن الموارنة فدوا أرض الشرق بدمائهم ولا أحد يزايد بانتمائهم للشرق، وليسوا بحاجة لمؤتمرات تؤكّد على دورهم سواء من هذا الفريق أو ذاك، وبالتالي فإن الأساس هو تصويب البوصلة والعودة إلى النموذج الحقيقي وعدم الدخول في محور ضدّ الآخر، فعلى سبيل المثال فإن مؤتمر “سيدر” قام بمبادرة فرنسية، لذلك فإن لحظة الضمير تحتم على الجميع تحمّل دورهم وعدم إغراق الشعب بالفقر والعوز نتيجة سياساتهم الخاطئة.