كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
كثيرة هي مواقع الشبه، بين أحداث قبرشمون التي وقعت صبيحة يوم الأحد في 30 حزيران الماضي، وبين “المواجهة” بين مناصري “التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” مساء يوم أمس في قلب العاصمة، في شارع الحمرا. الفارق بينهما أنّ الثاني مرّ على سلام من دون وقوع إصابات. لكنّ المحطتين عكستا الواقع المرير الذي تشهده العلاقة الثنائية، المصابة في الصميم.
قبيل نحو ساعتين من وصول العونيين إلى الحمرا للتظاهر أمام “جدار” مصرف لبنان الذي طُلي بقصاصات تتهم “الثوار البرتقاليين” بـ”الانفصام” و”التظاهر ضدّ الذات”، كان رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يحذّر “رفاقه” من الانسياق وراء “الأخبار الكاذبة والملفّقة”، داعياً إياهم إلى “الاحتفاظ بالهدوء والموضوعية”.
حرص جنبلاط على عدم الربط المباشر بين تغريدته “التوجيهية” وبين الحراك الذي يقوده العونيون في شارع الحمرا كونه موجّهاً بشكل مبدئي ضدّ مصرف لبنان، لكن المتابعين كانوا يعرفون جيداً أنّ الزعيم الدرزي يخشى من تمدد بقعة الاعتراض العونية في الحمرا، لتطرق أبواب كليمنصو الملاصقة نسبياً لمقرّ المصرف المركزي.
أقله، هكذا بدت الصورة على الضفة الجنبلاطية قبيل الساعة الخامسة، موعد التظاهرة العونية. يقول المسؤولون الاشتراكيون إنّ أجواء التوتر التي سادت منذ ليل الأربعاء هي التي أملت هذه التوجهات، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي كما تطبيق الواتساب، بدعوات “مشبوهة” تشجّع على توسيع مروحة الاحتجاج للتوجه إلى أمام منزل جنبلاط في كليمنصو، وذلك بالتزامن مع الحراك العوني أمام مصرف لبنان، ضرباً للعصفورين بحجر واحد. ولذا، استبق جنبلاط، كما يقول الاشتراكيون، الموعد من خلال اتخاذ ثلاثة اجراءات:
– وضع القوى الأمنية في أجواء هذا التوتر المحتمل، إذا ما صدقت الدعوات وقصد المتظاهرون منطقة كليمنصو بشكل قد يثير الحساسيات ويسمح بوقوع الاشكالات.
– إصدار تعاميم داخلية تدعو الحزبيين إلى ضبط النفس ومنعهم من الاحتكاك مع “الضيوف الثوار”.
– توثيق تغريدة موجهة إلى “الرفاق والمناصرين” يقول فيها: “إنّ حق التظاهر والتعبير عن الرأي هو من مظاهر الحياة الديموقراطية في لبنان. لذلك أتمنى ألا تنساقوا وراء الأخبار الكاذبة والملفقة لبعض مواقع التواصل الاجتماعي وأن نحتفظ دائماً بالهدوء والموضوعية في أي تبادل للرأي. هذا كان موقفي في أول لحظة من انطلاقة الثورة”.
وما كادت أقدام العونيين تطأ “أرض المعركة” حتى لاقاهم الاشتراكيون إلى الشارع الرئيسي في الحمرا، بحجة أنّ تحركات استفزازية بلغت كليمنصو، ما أدى الى استنفارهم والتقدم تكتياً نحو “محور الخصوم”.
بالنتيجة كاد الفريقان يقعان “بالمحظور”، ولكن على أبواب مصرف لبنان وليس على أعتاب قصر كليمنصو، إذ “تصدى” الاشتراكيون للعونيين جانب “أريسكو بالاس” على المفرق المؤدي إلى شارع الحمرا الرئيسي. ويبررون ذلك بالإشارة إلى أنّه بالتزامن مع وصول العونيين إلى قلب العاصمة، عبرت سيارة ذات زجاج داكن قرب منزل جنبلاط وأطلق سائقها سيلاً من الشتائم، ما دفع القوى العسكرية المولجة حماية الدار الى توقيفه حيث تبين أنّه يحمل سلاحاً، الأمر الذي أدى الى استنفار المجموعات الاشتراكية الموجودة في المنطقة، فنقلوا “المواجهة” الى حدود مصرف لبنان.
ومع ذلك، كان مشهد “الاشتباك” متوقعاً، ولكن في السياسة. وذلك بعد إعلان وليد جنبلاط “الحرب” ضدّ الرئيس ميشال عون، وذلك الموقف الناري الذي أطلقه منذ نحو أسبوع، اعتبر فيه أنّ “عهد الرئيس عون وصل إلى أفق مسدود ولا بد من التغيير”.
لكن “رصاصة الرحمة” هذه، وفق توصيف الاشتراكيين، لا تعني أبداً أنّهم قرروا قيادة حملة منظمة لاسقاط العهد، الذي لا يزال أمامه نحو ثلاث سنوات. يقولون إنّ التركيبة الطائفية تحول دون تحقيق هذا الهدف، لأن ترجمة هذا الموقف ستؤدي إلى قيام حملة مذهبية مضادة تفرغها من مضمونها. ولذا، جلّ ما قام به جنبلاط هو تسجيل موقف للتاريخ لا أكثر. ولا نية لديه أو للحزب “التقدمي” وضع خريطة طريق تدفع إلى إقالة رئيس الجمهورية.
وبسبب دقة الوضع الاقتصادي، وحساباته العابرة للاصطفافات، يحرص جنبلاط أن تكون معارضة حزبه في المرحلة المقبلة، “مدوزنة” العيار. إختزل مجلس قيادة الحزب في اجتماعه الأخير عناوين معارضته لمرحلة ما بعد 17 تشرين الأول، التي ستكون بمثابة برنامج عمل كتلة “اللقاء الديموقراطي” والحزب، والذي سيشمل الوضعين الاقتصادي والمالي، الأمن الغذائي والصحي، القطاعات الانتاجية والضرائب.
غير ذلك، لا يبدو أنّ الأفق واضح بالنسبة للاشتراكيين، كما غيرهم من القوى السياسية التي تحيط بهم الضبابية. نجحت انتفاضة 17 تشرين في خلط التفاهمات السياسية، لا بل في نسفها وقلبها رأساً على عقب. ولهذا يتجنّب الاشتراكيون الحديث عن تحالفات قائمة. يكتفون بالإشارة الى خطين يعملون عليهما: أولاً، السعي إلى اعادة ترميم العلاقة مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد فترة من التخبّط والتوتر، ثانياً، تمتين العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلاقاً من تاريخيتها، وحرصاً على المؤسسات الدستورية كون الفراغ سيقود حتماً إلى انهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع.
وأكد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من دارته في كليمنصو، بعد تجمّع عدد من مناصري حزبه في الشارع بمواجهة تظاهرة كان دعا لها “التيار الوطني الحر” أمام مصرف لبنان، الى أن ما يحصل ليس محاصرة لـ”الحزب الاشتراكي” كما يروج البعض، مشدداً انه مع الحكومة في محاولتها لانقاذ الأوضاع الاقتصادية في البلاد، داعياً انصاره الى التهدئة وعدم الانجرار للفتنة.
وفي وقت كان يدعو جنبلاط إلى التهدئة أصدرت اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر بياناً اعتبرت فيه أن “ما انفعال البعض غير المبرر واستخدامه لغة العنف إلا الدليل على أنه أوجع أصحاب الملايين المهربة الى الخارج”. ويلفت التيار الى ان “قطع الطرقات على الباصات والناس وضرب السكاكين والحجارة هي أساليب الميليشيات المعروفة من المواطنين والغريبة عن مناصري التيار الذين وقع منهم عدد من الجرحى، ومع ذلك أصرّوا على إكمال مسيرتهم السلمية”.
وكان النائب وائل ابو فاعور كشف عن أن سبب الخلاف يعود إلى أن أحد حزبيي “الوطني الحر” أصر على ركن سيارته عند حاجز منزل جنبلاط وكان في سيارته رشاش واظهره أمام الحرس فوقعت المشكلة.