IMLebanon

ارتباك البوصلة السياسية للحريري يبقي على نزيف “المستقبل”

تحيط شكوك كثيرة بالورشة الداخلية التي وعد بها رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري لإعادة “ترشيق” تيار المستقبل الذي يتزعمه، وقدرتها على انتشال الحريرية السياسية من مأزقها الحالي.

وتعتبر أوساط سياسية أن تراجع شعبية التيار لا يتعلق فقط بالحالة الحزبية وهيكلية القيادة وخارطة القيادات والمنسقين، بل يتجاوز ذلك إلى ارتباك البوصلة السياسية، والتي لا يبدو أن الحريري نجح في تصويبها في ما أعلنه من مواقف في الخطاب الذي ألقاه في 14 فبراير الجاري (في إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في نفس التاريخ من العام 2005).

وترأس الحريري، الأربعاء، اجتماعاً للمجلس المركزي للتيار، في حضور فريق عمل مكتبه ونواب “المستقبل” وأعضاء المكتبَين السياسي والتنفيذي. وقد حدد الحريري موعداً للمؤتمر العام بعد أربعة أشهر، على أن يكون عقده بداية تغييرات حقيقية داخل منظومة التيار الحزبية.

ويقول مطلعون على الجدل داخل البيئة الحاضنة للمستقبل إن التيار تحول إلى حزب سلطة مهمته توفير خلفية سياسية حاضنة لسعد الحريري ووزرائه، خصوصا في المرحلة التي تلت إبرام التسوية مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.

ويضيف المطلعون أنه كان على هذه التسوية أن تؤمّن للحريري بقاءه على رأس حكومات عون، وتوفر له حصة وزارية وازنة لن تتأثر بحجم تيار المستقبل داخل البرلمان.

ويلفت هؤلاء إلى أن بيئة تيار المستقبل شعرت بأن زعيمها مستعد لتقديم التنازلات تلو الأخرى حماية لصفقته مع عون، بما في ذلك الموافقة على قانون انتخابات أضرّ بموقع التيار داخل مجلس النواب، والمضيّ قُدما به والضغط على نواب “المستقبل” لإقراره، على الرغم من تصاعد أصوات داخل المستقبل تحذّر مما سيتسبّب به القانون من أضرار تصب لصالح حزب الله والتيار العوني على حساب الحريرية السياسية بالذات. ووفق تسريبات، فإن المؤتمر العام للتيار سيعقد ما بين يونيو وأغسطس، على أن تجري داخله انتخابات للمكتب السياسي والأمانة العامة، تقود إلى تغييرات على مستوى الكوادر والمنسقين، وأن هناك توجّها لتقليص أعضاء المكتب السياسي البالغ عددهم حاليا 33 عضوا.

وكانت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة مخيّبة للآمال ووجّهت طعنة للتيار وزعيمه، ليس فقط بسبب الطابع التقني المتوقع لقانون الانتخابات، بل أيضا بسبب عزوف ناخبي “المستقبل” عن المشاركة في الاستحقاق أو التصويت ضد التيار الأزرق في بعض الدوائر المحسوبة تقليديا لصالح الحريري وتياره.

وينقل عن منابر داخل المستقبل أن إعادة الثقة بين التيار والشارع اللبناني باتت ضرورة واجبة، وأن أمر ذلك لن يتم بتغير الوجوه وإجراء تعديلات في توزيع المناصب، خصوصًا أن الوجهة الناظمة لحيثيات التأييد لم تنظر يوما إلى هذه الأمور، بل كانت وجهتها دائما صوب الزعيم الأول للتيار سواء في عهد الراحل رفيق الحريري أو في عهد وريثه في هذه الزعامة نجله سعد الحريري.

ويقول هؤلاء إن التيار لم يكن يوما حركة طائفية مذهبية بل تيارا وطنيا عريضا متعددا، وأنه من الخطأ اختصاره بصفته حزب السنة في البلاد.

وعابت هذه المنابر على زعيم المستقبل اضطراره إلى التوجه إلى “أهل السنة” والتحدث عن الإحباط الذي يروج في بعض صفوفهم، وكأن في تلك المقاربة هروب من واجبات وطنية لطالما كانت السنية السياسية رائدة بها، واعتراف بالفشل في تشكيل جبهة وطنية عريضة تلامس ما تشكّل بعد اغتيال الحريري الأب وما عرف حينها بتحالف 14 آذار.

ويرى باحثون في شؤون السنة في لبنان أن الطائفة ومنذ استقلال لبنان عام 1943 وارتضاءها بزعامة رئيس الوزراء الراحل رياض الصلح، بالكيان اللبناني الحديث، لم تتعامل مع نفسها بصفتها كيانا منفصلا بل بصفتها امتدادا داخل البلد لتيارات عروبية عريضة راجت بعد حروب الاستقلال.

ويضيف الباحثون أن ضبابية تحالفات سعد الحريري العربية، لاسيما الخليلية، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية، تثير قلقا سنيا حيال البوصلة المفقودة في خطاب الحريري في السنوات الأخيرة، والذي لا يبدو أن خطابه الأخير قد بدد ما شابه من لبس وغموض.

ويلفت هؤلاء إلى أنه على الرغم مما تم الإيحاء به من تجاوز لمرحلة الصفقة الرئاسية ومن ذهاب للانقلاب على قواعدها، فإن الحريري ما زال متمسكاً بالأصول الناظمة لواقع الحال في لبنان لجهة مراعاة “قدرية” حزب الله وهيمنته على البلد.

ويعتبر الباحثون أن مشكلة بيئة المستقبل ومناصري الحريرية السياسية هي في ما يفرضه هذا الحزب من شروط على البلد، وأن مسألة التصويب على العونية السياسية، لاسيما جبران باسيل “رئيس الظل”، حسب تلميحات الحريري، لا تعبّر عن سياسة نوعية في مواجهة جذور المعضلة الحقيقية في البلد.

وتقول شخصيات مستقبلية مخضرمة إن التيار ليس حزبا عقائديا وأن دينامياته ما زالت مرتبطة بدينامية زعيمه، وأن على الحريري شخصيا بذل جهود مكثفة لإعادة تنشيط عمل التيار، خصوصا وأن الكثير من الانتقادات التي اعترف بها حملت غياب الحريري مسؤولية حالة الترهل التي أصابت علاقة تيار المستقبل ببيئته الشعبية الحاضنة، لاسيما في البقاع والشمال.

ويخلص هؤلاء إلى أن على “المستقبل” أن ينخرط في زمن ما بعد 17 أكتوبر تاريخ اندلاع الاحتجاجات في لبنان، وأنه لا يمكن استخدام أدوات الأمس التي نهلت كثيرا من زلزال اغتيال رفيق الحريري، وأن التيار سيواصل النزف إذا لم يتصالح مع الواقع الجديد الذي فرضته انتفاضة غير مسبوقة عابرة لكل المناطق والطوائف في لبنان.