كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن“:
نأسف لإخبارِكم أن الأمن الغذائي “زفت”، والعنف قادم لا محالة، والأسعار التي أصبحت الآن ناراً ستُصبح بعد حين كما لهيب “جهنم الحمراء”! والآتي أعظم وأعظم، لأن مصلحة اللبنانيين- المستهلكين تحتاج الى إطلاق رصاصة في قلب من أوصلوا البلاد والعباد الى الحضيض، لكن المسدس في يد هؤلاء، و”ما حدا بيقوّص على حالو”!
صوت “طقطقة” ماكينات تغيير الأسعار أقوى من صدى دعسات الزبائن. النظارات على العيون والعيون “تُحملق” في الأسعار والوجوه متجهمة. الأولاد يختارون ما يشاؤون ووالدهم يتسلل من الوراء، مثل اللصّ، لإخراج كثير مما اختاروه من العربة. كيف لا ونحن في الأزمة. في قلب الأزمة.
نعود من السوبرماركت ونقلبُ بين أخبار اليومين السابقين السريعة ونقرأ: إحالة “سوبرماركت سابا” الى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان. نعود ونقلب بين العناوين التي تمس أمن اللبنانيين الغذائي فنجد عنوان: الأسعار نار! نعود أكثر الى الوراء ونقرأ: وليد جنبلاط داخل سوبرماركت مطلعاً على وضع المستهلك الإقتصادي… نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة ونقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد شاهدٌ على كلّ هذه التفاصيل. فهل يملك ما يُطمئن؟ هل يملك إجابات على من يتهمون أصحاب السوبرماركت في لبنان برفع الأسعار الجنوني؟ ولماذا هذا التباين الهائل في الأسعار بين سوبرماركت وأخرى؟
التنافس يمنع “البطش”
يستاء نبيل فهد كثيراً من الإتهامات التي تطاول دور السوبرماركت “قشة لفة”: فقد يكون هناك “أزعر” في أي مكان وقطاع وموقع لكن يظل هناك من له قلب وعقل وضمير”.
قد يكون كلام النقيب واقعياً وحقيقياً، لكن اللبنانيين لكثرة ما يصادفون جشعاً ما عادوا يصدقون وجود أخيار. نبيل فهد يتحدث عن تنافسيّة في قطاع السوبرماركت، ما يمنع أصحابها من البطش في الأسعار، خصوصاً مع وجود “السوشيل ميديا” وإمكانية إظهار من هو “الأكثر غلاء أو الأكثر رخصاً”. ويشرح: المنافسة كانت قوية واشتدّت أكثر، ودور السوبرماركت المحاولة أن يوازن في أسعاره كي لا يفقد زبائنه من جهة وكي يحافظ أقله على رأسماله من جهة أخرى. لذا نرى أن الأسعار قد تتبدل بين سوبرماركت تؤمن كلّ الرفاهية للزبون وتملك 400 موقف للسيارات وعمالاً يساعدون في نقل المواد المستهلكة، وبين سوبرماكت تكدّس البضاعة فوق بعضها ويضطر الزبون الى البحث عبثاً عن موقف قريب.
نفهم من كلام فهد أنه يفترض بنا، نحن المواطنين المستهلكين، أن نبحث أكثر عن الأسعار الأقل كمن يبحث عن الإبر في أكوام القش. فلنبحث إذاً أكثر في هذا القطاع الذي إذا انتهى “علقنا ألسنتنا في السقف”؟ ولنسأل، متى يفترض أن تتدخل “حماية المستهلك؟”.
إنها تتدخل حين يكون هناك ارتفاع غير مبرر في الأسعار. بمعنى أن أعرض سلعة رأسمالها عشرة آلاف ليرة بثلاثين ألفاً. هذه تسعيرة غير مبررة يفترض أن تتدخل إثرها حماية المستهلك، لكن إذا وضعتها سوبرماركت بعشرة آلاف وخمسمئة ليرة، وثانية بأحد عشر ألفاً، وثالثة باعتها بأحد عشر وخمسمئة ليرة فهذا حقّ في قطاع تنافسي، لأن كلفة كل محل مختلفة عن المحال الأخرى. أضف الى ذلك اننا نشتري من الشركات المستوردة وفق حسومات على نطاق عملية واحدة او على نطاق سنوي. فإذا اشترينا كميات كثيرة سنوية نحصل على حسومات أكبر ما يُمكّننا من تقديم عروضات. هناك عوامل كثيرة تحدد أساس الكلفة في كل محل وهي ليست واضحة لمن يتهم عشوائياً بتسعيرة أقل أو أكثر. المنافسة تجعل الجميع تحت سقف معين لا يمكن تخطيه.
لا تكديس للبضائع
هل كنتم تملكون احتياطاً من البضاعة مع بداية الثورة؟
نظام العمل في إدارة السوبرماركت تغيّر كثيرا في الفترة الأخيرة، وأصبحنا نعتمد جلب البضاعة وفق قاعدة Just in time، ولم نعد نضع كميات كبيرة في المستودعات. نضع البضاعة التي تباع خلال ايام ولا نكدس بضاعة لسنا في حاجة إليها. نعتمد على الوكيل الذي يستورد البضاعة ويكون لديه المستودعات. ثمة شركات تسلمنا ثلاث مرات في الأسبوع. والبضاعة الطازجة يومياً.
ويتابع النقيب أن 95 في المئة من البضاعة يشتريها أصحاب السوبرماركت من وكلاء. أما حجم ما يتم استيراده مباشرة من السوبرماركت فضئيل جداً. في كلّ حال، هذه القاعدة التي نعمل على أساسها، جعلت الأصناف الأساسية بعيد اندلاع الأزمة مثل الرز والسكر والحمص والفاصولياء والعدس تخف، ما جعلنا نطلب من الزبائن عدم شراء كميات كبيرة، لكن بعد فتح الطرقات عادت الدورة تعمل. هذه الأصناف ارتفع سعرها أولاً. وهذه الحبوب ليست لديها لا ماركات ولا وكلاء وسوقها حرّة وهي تلحق البورصة. أما الأصناف الأخرى مثل المعلبات المستوردة فاستمرت أشهراً بلا أي تعديل. ونحن، ما دام المورد يُسعّر بسعر ثابت، فلا يمكننا ان نرفع الأسعار. نحن محكومون بالمنافسة وما لا يعرفه كثيرون هو أن أصحاب هذا القطاع يراقبون بعضهم قبل تحديد أسعارهم. هناك زيارات دائمة بيننا ونحن نراقب، جميعاً، مواقع بعضنا الالكترونية والكتالوغات والعروضات. هذا واجب يومي علينا قبل تحديد الأسعار المتغيرة.
تصوير أصحاب السوبرماركات بـ”الأشرار” فيه تجن. الجميع كواحد “مضروب” على رأسه. لا أحد يستطيع البيع والشراء. نحن لسنا مخلوقات من غير كوكب، بحسب نقيب أصحاب السوبرماركت.
يتحدث نبيل فهد عن وجود 12 شركة سوبرماركت في لبنان تملك نحو ستين نقطة بيع. وتحوز صفة سوبرماركت المحال التي تزيد مساحات صالات العرض فيها عن ألف متر، ويقول إن هناك تنافساً بين السوبرماركت التي تزيد مساحتها عن عشرة آلاف متر وبين الدكانة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن عشرين متراً. تضم تلك المحال نحو عشرين الى ثلاثين ألف صنف تتنافس بها معنا.
الدكاكين… لا تتأثّر
يحوم الخطر حول قطاع السوبرماركت كما حول كلّ شيء في لبنان. وفي هذا الإطار يقول فهد: هناك سوبرماركت بصدد اقفال بعض فروعها لأن الكلفة أصبحت مرتفعة. وهذه اشارة خطيرة جداً، لأن القطاع، حتى في الركود الاقتصادي الشديد، يفترض أن يبقى مستمراً. وضع السوبرماركت ليس جيداً. الدكاكين الصغيرة لا تتأثر بنفس مشكلاتنا لأن أكلافنا أعلى منها بكثير. وقد رأينا في العامين الماضيين إفلاسات لمحال سوبرماركت كبيرة مثل “تي أس سي” وأبو خليل وسان لويس وأمباسي وغيرها. هذا هو الخوف. إننا نتوقع تفليسات إضافية، خصوصاً حين يقال نريد تخفيض الإستيراد من 18 ملياراً الى النصف. يعني عشرة مليارات دولار لن تعود الناس لتشتريها. ويستطرد النقيب: الصورة سوداوية جداً جداً أكثر مما تتصورين. نلتقي في الهيئات الإقتصادية، وفي كل القطاعات، على مدى خطورة الوضع. شركات عمرها عشرات الأعوام لا تعرف ماذا يفترض بها أن تتصرف. بلغنا طريقاً مسدوداً.
النقيب يرفض الدخول في أسماء وعناوين وخصوصيات غيره من دور السوبرماركت، حتى لو كان النقيب، وما لم يقله أعلنته سبينس نفسها أنها بصدد إقفال بضعة فروع.
يوجد في محال السوبرماركت بين أربعين الى خمسين ألف سلعة، وقد تصل الى ثمانين ألفاً في المحال الكبيرة جداً. نحو 80 في المئة من السلع أجنبية مستوردة و20 في المئة من الإنتاج المحلي.
هناك أصناف يمكن أن يؤمنها التاجر الوطني، مثل العصير والحليب، وأصبح يوجد في لبنان معامل موزاريلا وجبنة الشيفر. هناك إمكانية لاستبدال الإنتاج المستورد بالوطني، لكن هناك أصنافاً يستحيل حالياً استبدالها لأنها تحتاج الى إستثمارات عالية. من الصعب توسيع الإستثمارات حالياً في ظلّ الموانع المصرفية المالية. هذا يتطلب دولارات غير متوفرة. الدورة الإقتصادية كلها معطلة. وأهم نقطة تؤثر على التاجر والصناعي هي عدم وضوح المستقبل واللاثبات.
نحن لسنا أساس المشكلة كلنا ضحايا للسياسات الإقتصادية العقيمة. هناك 30 ألف نقطة بيع في لبنان تبيع المواد الغذائية، من الكيوسك الصغير الذي يبيع علبة تونا، يملك 29 ألفاً منها والد أو والدة إذا لم يبيعوا لا يعيشون. وجودنا ضروري للإستقرار الإجتماعي. نحن ضمانة الأمن الغذائي.
إنتهى اللقاء. ويبقى اليقين أن الخطر، إذا استمرّ من بيدهم رقابنا يؤجلون الحلول، داهم داهم!
جمعية المستهلك”… العنف آتٍ!
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو يراقب الأسواق المربكة بعينين واضحتين مردداً: العنف آت! هو يقول أن أسعارنا كانت أغلى من كل معدلات الأسعار في المنطقة بنحو ثلاثين في المئة، حتى أغلى من تركيا وفلسطين المحتلة، والسبب أن معظم السياسيين هم تجار. ويستطرد: زيادة الأسعار اليوم تجاوزت 45 في المئة والبلد بات مكشوفاً بالكامل في ظلّ غياب أي سياسات رادعة. وهذا خطير جداً والأيام الآتية أخطر بكثير. لا سياسات بديلة لأن لا أحد «بيقوص» على نفسه. السلطة تاجرة فكيف تُعدّ سياسات بديلة؟
ما تجهله السلطة، أو تتجاهله، أن الأمن الغذائي إذا انهار ينهار البلد ومن فيه. المحروقات أمن إجتماعي. السلع الغذائية الأساسية أمن إجتماعي. والناس باتوا «مظلة» لا أحد يحميهم لذا أقول وأردد: «العنف جايي»!