اختارت بلدية صور توقيتاً خاطئاً لتنفّذ المرحلة الأخيرة من مشروع الارث الثقافي للمدينة الذي كانت بدأته عام 2003، بتمويل من البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية والوكالة الإيطالية بقيمة 17مليون دولار، في منطقة راس الجمل المحاذية لقلعة صور البحرية.
استكمال المشروع أثار اعتراضات الاهالي الذين وقفوا بوجه البلدية، رافضين انتزاع لقمة عيشهم، إذ يأتي المشروع في ظل ظروف اقتصادية خطيرة، وهم أحوج ما يكون إلى موسم الصيف لتعويض الخسائر.
وتعد منطقة راس الجمل من أهم الأماكن السياحية في صور، وتقع على مقربة من صور القديمة، ويتضمن المشروع تشييد ثمانية أكواخ خشبية بمساحة 130متراً للواحد، صديقة للبيئة، ترتفع على أعمدة خشبية فوق الشاطئ الذي سيصبح مفتوحاً لعامة الناس، على ان تنهي البلدية عملها بداية ايلول.
أكثر المعترضين على المشروع رغم جماليته هم أصحاب الاستراحات، الذين وجدوه مجحفاً في حقهم، ويعتبرون أنه سيفقدهم مصدر رزقهم. وجوههم تخبر عن قلقهم، فهم ليسوا ضد الإرث التراثي لكنهم ضد قطع الأرزاق، ويقول أحد العاملين في الاستراحات حسن قصار: “نحن من أعطينا صور الهوية السياحية”، لافتاً إلى أنه سيحظى بكوخ لا يتسع سوى لثماني طاولات فيما استراحته تتسع حالياً لنحو مئة طاولة.
وهذا ما دفع قصار أسوة بباقي اصحاب الاستراحات للدخول في صراع مع البلدية، معلنين الرفض التام للمشروع، وقد عملوا على ايقاف الآليات التي بدأت باعمال إزالة الاستراحات، ولوحوا بانضمامهم لصفوف الثورة لحفظ حقوقهم. وغالبيتهم يقول: “قد يبدأ اليوم التنفيذ ولكن هل سينجز في ايلول؟ فلا احد يضمن الخطة الزمنية، والكل يعرف سير عمل المشاريع في لبنان”.
مقصد السياح
باتت منطقة الجمل مقصد السياح من مختلف المناطق اللبنانية والعربية والأجنبية، بالنظر إلى طبيعتها وبحرها النظيف، فهي قريبة من القلعة ومن حارة المسيحيين القديمة في صور وميناء الصيادين، ويشكل الموقع نقطة محورية في مشروع الإرث الثقافي للمدينة الذي بدأ العمل به عام 2003 وشابه الكثير من المد والجزر، واعتراضات عديدة، آخرها كان العام الماضي مع أصحاب الخيم البحرية ما استدعى صرف النظر عنه موقتاً.
بالنسبة إلى البلدية، فهي لن تصرف النظر عن المشروع، فهو بمثابة قفزة نوعية للمدينة لتدخل عالم المدن السياحية العالمية. وبدأ أول أمس فك الخيم الثماني عند شاطئ راس الجمل، الا انها اصطدمت برفض الاهالي، وشهد الشاطئ عمليات كر وفر بين عناصر شرطة البلدية وأصحاب الخيم ما أدى إلى وقوع جرحى من الطرفين. ويرفض عباس كردي صاحب إحدى الخيم فكها، ويرى بالمشروع “طرداً لأبناء صور، وعكس ما يشاع انه لمصلحتنا”، وبحسب المشروع فان حصة عباس “ستكون كوخاً بمساحة 120 متراً لا تستوعب اكثر من ثماني طاولات، تحدد البلدية عدد الأشخاص لكل منها، وهذا ما يراه قمة الاحجاف”.
منذ ثلاثين عاماً يعمل عباس مع والده في الخيمة، يدفع خمسة ملايين و200 الف ليرة سنوياً للبلدية بدل أربعة أشهر في موسم الصيف، واعتراضه كما باقي أصحاب الخيم ليس على المشروع بل على تحجيم اعمالهم، فهو الذي كان يضع قرابة مئة طاولة في خيمته، ويوظّف 23 عاملاً، والمشروع يقلّص حصته.
هي نقمة يسجلها الاهالي على رئيس البلدية حسن دبوق، واكثر ما يثير سخطهم ان تنفيذ المشروع يضر بمصلحتهم، ويشير حسن الى انه بعد انجاز المشروع “تسلم الاكواخ لنا لمدة ثلاث سنوات، بعدها يصار إلى إجراء مناقصة لتلزّم لشخص آخر” وهذا اكثر ما يستفز سميرة صاحبة إحدى الاستراحات.
تعرضت سميرة للاعتداء من رجال شرطة البلدية أثناء محاولتهم إزالة الخيمة، وبحسبها لم يتم التبليغ عن قرار الازالة وتقول: “فوجئنا بقدوم الآليات وبدء أعمال الإزالة”.
سميرة التي تعمل مع والدها الكابتن ابراهيم في الاستراحة، لم تكن تتوقع أن يأتي يوم وتخضع لامتحان خسارة رزقها، وتؤكد لـ”نداء الوطن” انها “لن تسمح بازالة الاستراحة وقطع رزقها مع عائلتها، حياتنا هنا، ولن نتخلى عنها، يسوقون ان مجاري الصرف الصحي تجري للبحر وهذا غير صحيح، نعتمد الحفر الصحية”.البلدية: سيستفيدون من المشروع
في المقابل، يؤكد نائب رئيس بلدية صور صلاح صبرواي ان “المشروع قائم، وهو مشروع حضاري يفتح صور على السياحة،” ويؤكد ان “هناك اجتماعات مفتوحة لاحتواء غضب اصحاب الاستراحات”، مشدداً على أن “المشروع لا يضر بأصحاب الاستراحات بل يستفيدون منه صيفاً – شتاء، عكس ما يتصورونه”، ويلفت إلى أن “الهدف من المشروع تنظيم الخيم وازالة التعديات، وتحويل المكان صديقاً للبيئة، والمشروع دخل في مرحلته الأخيرة ويضم ثمانية اكواخ، ويهدف إلى تنظيم الخيم بما يليق بالمدينة وطابعها التراثي، لتصبح بمصاف العالمية، إضافة إلى تحرير الشاطئ من التعديات، وإزالة خيم القش والحمّامات المهترئة، وتحرير البحر من المجارير عبر ربط الاكواخ بشبكة صرف صحي جديدة تتصل بشبكة صور الرئيسية وحينها يصبح الشاطئ مفتوحاً أمام الاهالي”.
ويلفت إلى أنه “جرى عرض المشروع بكل تفاصيله أمام أصحاب الاستراحات والمجتمع المدني في صور، غير أن ما يستغربه ردة الفعل والاعتراضات”، مؤكداً ان “هناك جهات تحرّض على المشروع وتريد افشاله”.
ويصف صبراوي المشروع بـ”الحضاري ويليق بإرث صور غير ان هناك قصيري التفكير يهيؤون أرضية الاعتراض عليه لتوقيفه وسيفتتح صيفاً شتاء وسيدحض مزاعم أصحاب الاستراحات انه قد لا ينجز ضمن المهلة المحددة، بل سينجز في أيلول فقط سيخسرون شهري تموز وآب”.