كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:
بالغ السيد علي لاريجاني في استعراض قدرات بلاده في مجال الطاقة، وكان في كلّ محطاته التي أطلّ فيها على الرأي العام اللبناني «يبشّر» ويوحي بأنه يحمل مفتاح الحل السحري لأزمة لبنان في هذا القطاع وأنه ليس على اللبنانيين سوى أن يفتحوا الأبواب لشركات الإيرانية لتدخل وتحقّق الإنجازات العظيمة.
والواقع أن ما عرفناه من تجربة إيران في العراق، يعزّز المخاوف والهواجس من هذا الدخول الذي يحاول استغلالَ غضبِ الناس ويأسَهم وتوقـَهم لأيّ مخرجٍ كان، من دون أن التوقف عند ما يمكن أن يحمله التسرّع والتغاضي عن التفاصيل وعن الشفافية من مخاطر أعتى وأعظم مما يعانيه اللبنانيون حالياً.
وفي اللقاءات الخاصة التي عقدها لاريجاني، كان التباهي بموضوع الطاقة مادة مفضـّلة لديه، حيث استعرض قدرات إيران في إنتاج الكهرباء والمواد البيتروكيميائية وما يمكن أن يحدثه التعاون بين لبنان وطهران من فوارق في هذا المجال.
في لبنان: أي تجربةٍ نريد؟
لاحظ المراقبون أن الرئيس نبيه بري كثـّف مداخلاته حول قطاع الكهرباء في انعكاسٍ واضح للصراع المحتدم بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حول هذا القطاع، ونقل عنه نواب كتلة التنمية والتحرير أنه ضاق ذرعًا بعدم تطور هذا القطاع وعدم معالجته بما يضمن زيادة ساعات التغذية لتصل الى 24 ساعة كما هو الحال في كهرباء زحلة، حيث يسأل كيف تمكنت بلدية زحلة من تأمين الكهرباء 24/24 ودولة بأمها وأبيها لم تفعل شيئاً لتطوير هذا القطاع الذي كبّد خزينة الدولة مليارات الدولارات ولا زال يتأرجح بين استئجار الكهرباء بواسطة السفن التركية مقابل ازدياد ساعات التقنين، فيما كانت الوعود عشية الموافقة على استئجار البواخر تقضي بزيادة التغذية الى حدود العشرين ساعة وأكثر.
واشارت مصادر كتلة «التنمية والتحرير» إلى أن بري سيعمل على خطين في هذا الملف، الأول لامركزي عبر دعوة اتحادات البلديات في كافة المناطق اللبنانية للاقتداء بمصلحة كهرباء زحلة من أجل تطوير إنتاج الكهرباء سواء عن طريق شراء مولدات أو بواسطة استخدام مضخات المياه لزيادة الطاقة، وقد يتم استيرادها من الخارج. والأمر الثاني مركزي سيتم من خلال الضغط على وزارة الطاقة بخصوص تشغيل المعامل المولدة للكهرباء الموجودة في دير عمار والجية والزهراني في أقرب وقت، لأنه لن يسكت بعد اليوم عن أي تأخير في هذا الملف حتى ولو أدى الأمر إلى التدخل شخصياً لأن وضع الكهرباء لم يعد يطاق ومن غير المقبول بقاء الأمور على حالها.
عون مقتنع: لنبتزّ الخليج ونتشاطر على العقوبات
سارع الإعلام الممانع إلى تسريب أن رئيس الجمهورية ميشال عون مقتنع بعرض الكهرباء تحديداً لما يسهم في تخفيض نسبة العجز وبالتالي الدين العام لا سيما أن المؤسسات شبه الرسمية كالبلديات او اتحادات البلديات يمكنها تخطي القرار الحكومي وتوقيع عقود كهربائية مع إيران بشكلٍ لا يعرّض لبنان للعقوبات الأميركية، كما سرّب الإعلام نفسه أن الحكومة تدرس العروض الإيرانية على أن تتخذ قراراً بشأنها خلال وقت قريب إذا ما سُدّت أبواب الخليجيين والأميركيين في وجهها.
بهذا المعنى، يتضح أن تصورات الحكم قائمة على قاعدتين:
الإلتفاف على العقوبات الأميركية على إيران، مع الإستغراب من هذه الطريقة الساذجة في مقاربة الأمور، لأن الإدارة الأميركية لم تعد تترك ثغرة في العقوبات إلا وأغلقتها، وبالتالي فإن هناك مخاطرة بإخضاع البلديات اللبنانية للعقوبات، والبلديات ليست كياناتٍ مستقلة، بل هي جزء عضويّ تابع لوزارة الداخلية والبلديات، وهذا سيجعل الوزارة تحت العقوبات، فهل هذا تفكيرٌ سويّ؟؟!!
إبتزاز المملكة العربية السعودية لدفعها إلى التدخل وتقديم المساعدة للأحزاب الحاكمة وعلى رأسها «حزب الله».
تكرار معادلة الفساد مقابل السلاح
إذا جمعنا كلام الرئيس بري مع طرح لاريجاني، يتشح الآتي:
أن قطاع الكهرباء الذي يعشعش فيه الفساد، سيتحول إلى مساحة تناتش بين وزارة الطاقة (العونية) من جهة، واتحادات البلديات (الشيعية) بقيادة بري من جهة ثانية.
هذا الاتجاه يعني فرض أمرٍ واقع في مناطق الثنائي الشيعي يقضي بإنتاج الكهرباء بعيداً عن وزارة الطاقة.
ربما يعتقد حزب القوات اللبنانية أن هناك مصلحة في تعميم تجربة كهرباء زحلة في وجه جموح جبران باسيل، فيساير الرئيس بري ويدعم توجهاته، لكن ما ستنزلق إليه الأمور سيجعل منطق الدولة هو الخاسر الأكبر، لأن ما يعني الثنائي الشيعي عملياً الاستحواذ على إنتاج الكهرباء في مناطقه، ومحاولة منافسة باسيل في ما تبقى، وهذا سيؤدي إلى خراب واسعة النطاق في قطاع الكهرباء، وسيجعل الخدمات في باقي المناطق، ومنا المناطق «المسيحية» خاضعة لتأثيرات هذا الصراع، وسيجعل أصحاب المولدات يتضخمون في مناطق الشمال والبقاع (السنية)، وهذا كله سيكون أحد أوجه التفسّخ المتسارع للدولة.
سيزداد استبداد باسيل بقطاع الكهرباء المرتبط بوزارة الطاقة وستتفاقم الأزمات أيضاً لأن وزارة المالية (التابعة لبري) ستعمل على إعاقة وتكبيل عمل وزارة الطاقة (الباسيلية).
أما موقف «حزب الله»، فإنه سيكون هو نفسه، ويمكن اختصاره بمسايرة الطرفين المتنازعين بري وباسيل، وسيتجاهل مستلزمات الإصلاح الاقتصادي، تماماً كما فعل طيلة الفترة الماضية، عندما انتهت مؤتمرات النائب حسن فضل الله إلى خلاصة أنه لا يمكن ملاحقة أحد.. في مواصلة لمعادلة الفساد مقابل السلاح، أو لكم فسادكم ولنا سلاحنا!
من جرّب الإيراني الفاشل.. سيحصد الفشل
الأخطر من هذا كله، أن الصراع في هذا القطاع سيسمح للإيرانيين بالدخول عليه، مستخدمين سلطة الأمر الواقع، ومكرّرين تجاربهم في العراق، بالاستحواذ على الإمكانات المحلية وتظهير الخدمات على أنها فضلٌ منهم، أي أن الإيرانيين سينفقون من جيوبنا ويحمّلوننا الجميل الوهمي.
سيكون ملف الكهرباء مدخل تقسيم خطر لمؤسّسات الدولة وتوزيعها، بعد أن كان فساد الطبقة السياسية يقتصر على الفساد في داخلها، لكننا الآن سنشهد وزارة طاقة «رسمية» ووزارة طاقة موازية، وفوضى لا مثيل لها ستنشب في سائر المناطق.
فشلت إيران في تأمين الكهرباء لمواطنين، وفشلت في تأمين التزاماتها مع العراق المسلوب النفط، فكيف ستنجح في لبنان وبأي ثمن سياسيّ سيكون دخولها على لبنان في زمن توسيع العقوبات لتشمل الشركات الروسية وليس الإيرانية فقط..؟!
ليس لنا سوى التذكير بالقول السائد: من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب.