Site icon IMLebanon

أيّ دور بقيَ للمسيحيين؟

كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:

“أين دور المسيحيين وما الكثير المطلوب منهم؟”… عنوان جوهره كبير لن تكون بضعة سطور كافية لإيفائه حقه، يُطرح كلّ مرة ويُسأل عنه في كل مرحلة. يروي الدكتور فؤاد افرام البستاني في إحدى لقاءات «الجبهة اللبنانية» قصة لقائه في الستينات في طهران، لمناسبة الاحتفال بمرور ألف عام على ولادة «ابن سينا»، مع الكاثوليكوس النسطوري الذي، على رغم أنه لم يَزر لبنان قط، قال: «قوّتنا من قوة بكركي، فطالما هي قوية نحن أقوياء وعندما تضعف نضعف نحن».

من يقرأ في تاريخهم، يعرف الموهبة التأسيسية والقدرة الثقافية والوطنية والتنظيمية والسياسية وحتى العسكرية التي امتلكها ويمتلكها المسيحيون. وبالتالي، إنّ دور المسيحيين لا يقتصر على ممارسة الشعائر والطقوس الدينية بنحو اعتيادي، على أهميتها، بل دورهم، أنهم مؤسِّسون لكلِّ طقوس الحريّة، فهم أبناؤها، وجنودها، ويعملون من أجلها، ولا يستطيعون العيش من دونها.

 

يأسف الأب يوسف مونّس «لأنّ من تسلّموا قيادة البلاد كانوا فاشلين وليس على مستوى طموحات الشعب اللبناني»، معوّلاً على الانتفاضة التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019، والتي تغيّر في المسار السياسي العام. فـ»هم مجموعة أطهار وأنقياء يريدون ان يقودوا البلاد». ويقول لـ«الجمهورية»: «مررنا في ظروف أصعب في مرحلة الحرب وكان الله موجوداً، وكان هناك دعم فاتيكاني ودولي وأممي لكي نبقى ونستمر. واليوم إرادة اللبنانيين وثقتهم بعضهم ببعض ستنقذ لبنان والمسيحيين». ويضيف: «لا نخاف سلاح «حزب الله»، التأثير المسيحي في القرار لم ينكفئ بسبب هذا السلاح، فالمسيحيون ليسوا وحدهم من يرفضون السلاح، إنما هناك فئة كبيرة داخل البيئة الشيعية ترفضه أيضاً وتتمسّك بسلاح الجيش اللبناني، كما لدى الطائفة السُنيّة. وبالتالي، هناك إرادة لدى غالبية اللبنانيين في رفض هذا السلاح والتمسّك بسلاح الجيش».

لكنّ «المشكلة الأساسية هي إقليمية وتؤثر على لبنان»، كما يقول رئيس مؤسسة «لابورا» الأب طوني خضرا لـ«الجمهورية». مضيفاً «انّ هناك دولاً إقليمية تدعم أطرافاً لبنانية داخلية، في حين أنّ المسيحي في الداخل ليس مدعوماً من أي طرف خارجي، والسياسة الداخلية المسيحية لا ترتكز على أيِّ دعم إقليمي أو دولي. وهذا التأثير الاقليمي لبعض الطوائف يعطيها أولاً الفعالية الأكبر في الدولة، وثانياً، تتقدّم على الطوائف الأخرى في السلطة والقرار». ويقول: «القرار السياسي لديها لا ينطلق من معايير داخلية فقط بل من معطيات خارجية مؤثِّرة، وهذا ينتج خللاً داخلياً، لأنّ القرار لا يصبّ دائماً في مصلحة لبنان العليا. فالنظرة الى المشكلات والسياسة الداخلية لا تكون لبنانية مَحض، بل تكون أحياناً مقترنة بنظرة واستراتيجية خارجية يجسّدها أطراف لبنانيون.

وعلى الرغم من كل هذا، فإنّ التأثير المسيحي في القرار اللبناني تحسّن بعد 2005 وأصبح الوجود السياسي فاعلاً. بعدما كان مهمّشاً منذ 1990».

غالباً ما تتداخل العناصر المكوّنة أو المغيّرة لأيّ مشهد في المنطقة بعضها ببعض، سياسية كانت أم إيديولوجية أم غيرها، ولبنان تاريخياً هو من أكثر الدول التي تتأثر بهذه التطورات. وفي هذا السياق، يندرج الدور المُلقى على المسيحيين في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً.

«دورهم التفاهم مع العالم الإسلامي ببعده العربي – السُنّي، وكما كان هناك دور ثقافي للمسيحيين في النهضة، مسؤوليتهم اليوم بناء تفاهم مع المسلمين وليس التموضع في تكتلات ضدهم»، يقول الباحث في الفكر الاستراتيجي الدكتور نبيل خليفة لـ«الجمهورية»، الذي ينتقد «الدور الذي يقوم به بعض المسيحيين بتشكيل «تفاهمات مشرقية أقلويّة»، قد تعرّضهم مستقبلاً للابادة.

من جهته، يقول الأب خضرا: «دور المسيحي الأساسي ليس الحفاظ على وجوده، إنما دوره هو الحفاظ على الوطن. وفي هذه السنة التي يُحتفل فيها بمئوية لبنان الكبير، تعود بنا الذاكرة الى أساس الفكر المسيحي الذي قام على بناء وطن للجميع وليس وطناً مسيحياً صرفاً. لكن عدم وحدة المسيحيين يؤدي الى خلل في الداخل. فنحن اليوم أمام ثنائية شيعية، ونتحدث عن زعامة سُنيّة ودروز موحّدين، بينما المسيحيون مشرذمون، وهنا تكمن المشكلة الاساسية، فهم يتحملون مسؤولية كبيرة، لأنّ دورهم يجب أن يتجلى في مواجهة الوضع الحالي بوحدة لامتناهية وباستراتيجية شبه موحّدة».

وجهات النظر المختلفة في الاعوام الـ15 الاخيرة، لم تجسّد أيّ منها «الوحدة المسيحية» التي يحتاجها اللبنانيون. لذلك، يعتبر خضرا انّ «المسيحيين بوحدتهم ينقذون لبنان. والمعادلة هي انّ وحدة المسيحيين تقوّيهم فيقوى لبنان، وانّ تَشرذُمَهم يُضعِفهم فيُضعِف لبنان». ولذا، يقول خليفة إنّ «التطورات اليوم تتطلب قيام لقاء مسيحي من أحزاب وعلمانيين ومفكرين ومثقفين يحدّد كيفية مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، ويبلور مشروعاً انفتاحياً وحوارياً مع الفئات المسلمة».

أما الأب مونّس، فيذكّر أنّه «في الماضي كانت هناك «الجبهة اللبنانية» التي جمعت المفكّرين والعلماء. لذا، نحن اليوم نحتاج الى حركة شبيهة تضمّ مفكرين وعلماء، مع العلم أنّ البطريرك الماروني ليس مقصّراً، إنما لم تعد هناك ثقة بالسياسيين. فهم لم يكونوا لا على مستوى الشهداء ولا على مستوى الدم الذي قدّمه اللبنانيون، ولا على مستوى التضحيات، هم يَتلهّون بسرقة لبنان وهم من أوصلوه الى الأزمة التي وصل اليها. لكن على رغم كل ذلك، انّ الرجاء موجود».

ويرى الأب خضرا أنّ «ابتعاد المسيحيين عن سلّم القيَم يُفقدهم مسيحيتهم، فيتحولون ملحاً فاسداً يُلقى في الطريق ليدوسه الناس. تفكيرهم يجب أن يتركز في الأساس على لبنان، ومشروعهم الحقيقي والتحدي المهم لكي يكونوا مؤثرين وقدوة في المجتمع بعد ثورة 17 تشرين الأول، يتركّز على مبادئ أساسية هي: حرصهم على محاربة الفساد ونَبذ كل مسيحي فاسد بالدرجة الأولى. تحقيق قضاء نزيه، تحقيق العدالة الاجتماعية، و محاسبة المسؤولين السياسيين على أخطائهم».

ويقول: «على المسيحيين إجراء مراجعة ذاتية نقدية في شأن سلوكهم الوطني والسياسي ماضياً وحاضراً بغية بناء مستقبل نظيف، فهم الخميرة في هذا الوطن. والموارنة تحديداً هم روّاد التنوع والعيش المشترك الذي يميّز لبنان». ولذلك، يعتبر الأب مونّس من جهته، أنّ «الاعتدال هو الأهم في كل القضايا والمنازعات لمحاكاة الفريق الآخر في الوطن، والتعدد والتنوّع والعيش المشترك رسالة المسيحيين الى العالم، والحوار المسيحي – الاسلامي هو المشروع الأهم».

أما خليفة فيقول: «إنّ المسيحيين هم في أساس الكيانية اللبنانية، وعندما يفقدون نظرتهم التاريخية الى لبنان يفقدون صدقيتهم وحضورهم». ويضيف: «إنّ الذين اغتيلوا من المسلمين، من الأمام موسى الصدر الى الرئيس رفيق الحريري، اغتيلوا لأنهم نادوا بـ»لبنان وطناً نهائياً»، فكلمة «نهائي» ألغت حياتهم. وبالتالي، المسيحية تطرح مشكلة كبرى، فهي ليست لديها ولاية «المتغلّب» كما عند السنة وولاية «الفقيه» كما لدى الشيعة، بل لديها «اللبنانوية» la libanisme، أي العقيدة اللبنانية».