Site icon IMLebanon

معهد التمويل الدولي: هكذا وصل لبنان الى الأزمة

كتبت رنى سعراتي في “الجمهورية”:

إعتبر معهد التمويل الدولي في تقرير له بعنوان: «لبنان: جذور الأزمة»، أنّ جذور الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية تعود إلى تاريخ طويل من المحاولات الفاشلة لإثبات مصداقية السياسات الاقتصادية. لافتاً الى انّ إخفاقات الدولة تعود الى عوامل سياسية أساسية في الاقتصاد وضعف مؤسساتي كبير.

شرح كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان انّ مجموعة معقدة من العوامل الاقتصادية والسياسية المحلية شكّلت القوة الدافعة الرئيسية وراء الأزمة، منها ذات أهمية خاصة: (1) سجل ضعيف للأداء المالي، أدّى إلى زيادة مستمرة في الدين العام، (2) فشل في معالجة القيود التي تعيق نمو الاقتصاد مما حال دون تعديل سعر الصرف الى معدله الحقيقي وذلك بسبب ربط العملة بالدولار، (3) الفساد العام المتفشّي الناشئ عن نظام طائفي مُختلّ أعاق تنفيذ القرارات الجريئة لإعادة توجيه السياسات الاقتصادية.

واعتبر انّ قوّة الليرة اللبنانية على مدى السنوات الست الماضية لا يمكن أن تعوّض الخلل القائم في قطاعات اقتصادية عدّة، في مقابل قوة الدولار الاميركي مقابل عملات رئيسية مثل اليورو واليوان الصيني. لافتاً الى انّ السياسة المالية نَمت تدريجاً بما لا يتماشى مع تثبيت سعر الصرف عن طريق تمويل البنك المركزي العجز المالي والهندسات المالية.

على الصعيد الاقليمي، فاقمَت الأزمة السورية منذ العام 2011 والمواجهة بين السعودية وإيران، اللتين يسعى لبنان للحفاظ على علاقات وثيقة معهما، التوقعات بزيادة حدّة عدم الاستقرار الإقليمي. ونتيجة لذلك، سجل لبنان تباطؤاً حاداً في إيرادات السياحة والتحويلات المالية وغيرها من تدفقات رأس المال.

وكان العجزان الكبيران المُستدامان عنصرين أساسيين في الأزمة. حيث نتج عن سعر الصرف، المُبالغ في تقييمه، عجز كبير في الحساب الجاري الخارجي، وشَجّع على زيادة الواردات والاستهلاك الخاص.

واشار ايراديان الى انّ إيرادات الدولة تأثرت بشكل كبير جرّاء ضعف الإدارة الضريبية، بينما أعاق الفساد المستشري ونظام الرشوة، الامتثال الضريبي. امّا على صعيد الإنفاق، فإنّ المصالح الخاصة حاربت بشدّة تنفيذ خطط إصلاح قطاع الكهرباء الذي يكبّد الدولة خسائر سنوية هائلة، في حين أنّ الزيادة الحادة في كلفة الرواتب والاجور في العام 2018 فاقمت عجز المالية ومَلاءتها. وبناء على ذلك، واصَل الدين العام ارتفاعه منذ العام 2011 وصاعداً.

ورأى انه كان يتوجّب على لبنان، من أجل توجيه الدين العام نحو مسار الاستدامة، ما يلي: تحقيق نمو مُستدام وحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، التحول إلى فوائض مالية كبيرة، خفض أسعار الفائدة، وضمان الوصول إلى رأس المال الدولي. لكن للأسف لم يطبّق لبنان أياً من تلك الشروط. وجاءت التقارير الدولية حول نسب الفساد المستشري، والتي عكسها تصنيف لبنان ضمن أدنى المراتب عالمياً في العديد من المؤشرات، لتقوّض الإصلاحات وبيئة الاعمال. وبالتالي، فإنّ معالجة الفساد هي واحدة من الركائز الرئيسية للإصلاحات التي تنوي حكومة «الاخصائيين» الحالية الشروع بها.

من ناحية المؤشرات الاقتصادية، سجل الاقتصاد اللبناني للعام الثالث على التوالي نمواً سلبياً، في حين ارتفع الدين العام إلى مستويات غير مُستدامة من 131% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2012 إلى 164% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2019. وفي الفترة بين 2011-2019، بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 0,5% وتجاوز العجز في الحساب الجاري 21% من الناتج المحلي الإجمالي والعجز المالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أدّت كلفة خدمة الدين العام المرتفعة والمتزايدة واحتياجات إعادة التمويل الكبيرة، إلى ارتفاع كلفة أقساط التأمين على المخاطر، وساهمت في استبعاد استثمارات القطاع الخاص.

واعتبر تقريرا معهد التمويل الدولي انه في حين شَكّلت كلفة خدمة الدين العام وحدها 53% من إيرادات الحكومة في العام 2019، لم يعد هناك من إمكانية لتمويل الاستثمار الاجتماعي والاستثمار في البنية التحتية. ودفعَ شحّ الدولار إلى تراجع الواردات غير الاساسية وانخفاض الطلب على الاستهلاك، مما أدّى بدوره الى زيادة أسعار الاستهلاك وضغط على الشركات.

ورجّح ايراديان أن يرتفع معدل البطالة إلى أكثر من 20% ومعدل الفقر إلى حوالى 40%، كما توقع أن يرتفع متوسط ​​التضخم إلى حوالى 20% في العام 2020 نتيجة تراجع سعر الصرف في السوق الموازية.

وقال: بما انّ فرض ضوابط مؤقتة على رأس المال من قبل البنوك في تشرين الثاني 2019 كان أمراً ضرورياً لتجنّب انهيار القطاع المالي، فإنّ الإبقاء على تلك الضوابط المتشددة لفترة طويلة قد يضع عوائق اضافية امام استعادة النشاط الاقتصادي.

وذكر التقرير انّ النقص في السيولة من العملات الاجنبية أدى الى ظهور سوقَين لسعر الصرف. ومن أجل تجنّب هبوط حاد في قيمة الأجور والحدّ من ارتفاع التضخم نتيجة الزيادة في كلفة السلع المستوردة، سمح مصرف لبنان بوجود سعر صرف مزدوج. وقد أدى وجود سعرَين للصرف بالإضافة إلى فرض ضوابط على رأس المال في تشرين الثاني 2019، إلى اتّساع حصة سوق الصرف الموازية، حيث تراجع سعر الصرف غير الرسمي بنسبة 40% مقارنة بسعر الصرف الرسمي للعملة المحلية.

وفي الختام، رأى معهد التمويل الدولي أنه بمجرد تحسّن الوضع المالي واستعادة الثقة وتأمين التمويل الكافي من المجتمع الدولي، يمكن البحث في تعديل سعر الصرف الرسمي أو تحريره، وسط ظروف إيجابية، ويمكن لتوحيد سعر الصرف أن يعزّز الشفافية ويعزّز وضع السيولة في سوق العملات.

في المقابل، فإنّ توحيد سعر الصرف خلال فترة التعثر سيقوّض الثقة ويؤدّي إلى مزيد من الانخفاض غير المُنضبط في سعر الصرف، بالإضافة الى عواقب وخيمة على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، لأنّ ذلك من شأنه أن يحرّض على جولة جديدة من الاضطرابات الاجتماعية.