قالت مصادر لبنانية أن وفد خبراء صندوق النقد الدولي الذي اطلع على الوضع المالي والاقتصادي والنقدي في الاجتماعات التي عقدها حتى الآن لم يبد أي رد فعل فوري، وأنه ينتظر المزيد من الاجتماعات لإعطاء المشورة والرأي في سلة الحلول التي يمكن للصندوق اقتراحها على بيروت.
وقال بيان صادر عن وزارة المالية اللبنانية إن فريقا من صندوق النقد الدولي بحث الجمعة جميع الخيارات الممكنة مع مسؤولين لبنانيين يطلبون مشورة فنية بشأن الأزمة المالية المعرقلة للبلاد.
وقال وزير المالية غازي وزني في بيان “تم التداول في كافة المعطيات المتوفرة والخيارات الممكنة بناء على رؤية الوفد وتقييمه لواقع الحال في البلاد، على أن يتم استكمال البحث لبناء تصور لكيفية تجاوز الوضع الحالي”.
وأضافت المصادر أن وفد الخبراء ليس له أي رأي في الخيار الأصح الواجب اتخاذه بشأن التعامل مع استحقاق اليوروبوند (سندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية) الذي يسدد الشهر المقبل وتبلغ قيمته 1.2 مليار دولار.
وأوضحت أن الوفد أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأن هذا القرار سياسي وسيادي تتخذه الحكومة اللبنانية وأن صندوق النقد الدولي يقرب حينها علاقته من بيروت بناء على ما اتخذته من قرار، سواء في السداد أو عدم السداد.
ميشال عون: الأولوية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد
وأبلغ الرئيس اللبناني ميشال عون، الجمعة، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش أن “معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ستكون من أولويات الحكومة”.
ومعروف أن كوبيش سبق وأن أبدى مواقف هاجم فيها الطبقة السياسية اللبنانية ودافع فيها عن كفاءات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بما اعتبر موقفا أمميا واضحا في عدم المس بسلامة بعد تصاعد الحملات الداخلية ضده، والتي قيل إن حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يقف ضدها، بسبب اتهام الحزب له بالمبالغة في التقيد بالعقوبات الأميركية لتقييد حركة الحزب داخل النظام المصرفي اللبناني، وبسبب تخوف باسيل من جهته من إمكانية طرح اسم سلامة منافسا قويا له في أي انتخابات رئاسية مقبلة.
وأكد عون لكوبيش أن أهم معارك الحكومة هي مكافحة الفساد، مشيرا إلى أن “الإجراءات التي ستتخذ تهدف إلى حماية الواقع النقدي وحقوق المواطنين”.
من جانبه، جدد كوبيتش التأكيد على دعم الأمم المتحدة للإصلاحات التي تنوي الحكومة اتخاذها.
وقال إنه سيقدم تقريرا إلى مجلس الأمن عن واقع القرار 1701، كما سيقوم بزيارات إلى عدد من الدول المعنية بالوضع اللبناني.
وترددت أنباء عن أن رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المالية غازي وزني أطلعوا الوفد على رؤية لبنان للأزمة وقدموا عرضا لأسبابها كما تناولوا العناوين العريضة للسبل التي تفكر الحكومة في اتباعها.
ووفق نفس المصادر فإن استشارة صندوق النقد الدولي لا تعني حتى الآن الشروع في الاستجابة لمبدأ الخضوع لبرامجه مستقبلا، وأن الحكومة ستعمد إلى استشارة مؤسسات مالية دولية متخصصة للوقوف عند رأيها قبل أن تتخذ الحكومة ما تراه قرارا ناجعا لإخراج البلد من عنق الزجاجة. غير أن مراقبين قرأوا في تلميحات وزير المالية غازي وزني إشارات إلى أن الحكومة قد تذهب إلى قرار عدم سداد استحقاق اليوروبوند في مارس وبالتالي طلب إعادة هيكلة الديون، بما سيبدد من مهمة صندوق النقد، وبما سيخضع البلد إلى برامجه.
وضع اقتصادي لا يمكن أن يقاوم أكثر
وقالت تقارير متخصصة إن الحكومة اللبنانية تعكف على دراسة عروض قدمتها مؤسسات استشارية مالية دولية لتقديم المشورة المالية والقانونية بخصوص خيارات لبنان حيال أزمة السندات الدولية. ومن المفترض أن تتلقى بيروت أجوبة مكاتب الاستشارة القانونية والمالية الراغبة في مساعدة الحكومة اللبنانية في حال اتخاذ قرار بإعادة هيكلة الدين.
وأوضحت وزارة المالية أن الشركات الاستشارية المالية، التي وجهت إليها الدعوة عددها 12، وليست ثماني شركات كما أشيع من قبل.
وقال رئيس لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي اللبناني سمير حمود إن وفد صندوق النقد الدولي أتى لمعاينة الأزمة النقدية والمالية والمصرفية في البلد، وكيف يمكن إعادة رسملة المصارف وإعادة نوع من التوازن للمالية العامة والاقتصاد الوطني. وكشف حمود أن وفد الصندوق مدرك أنها التجربة الأولى للبنان في مواجهة الانخفاض الكبير بحجم الاقتصاد والناتج القومي.
ولم تتلق بيروت أي رسائل دولية جديدة توحي بأي مرونة قد تطرأ على موقف الدول المانحة من مسألة ضخ تمويلات عاجلة داخل أوردة النظامين الاقتصادي والمالي اللبنانيين.
وقالت بعض المصادر إن كافة العواصم العربية والدولية تتخذ موقفا واحدا في عدم الإقدام على أي مبادرة انفرادية مخالفة للأجواء الدولية الشاملة التي تطالب لبنان باتخاذ إجراءات شديدة وصارمة لضبط الإنفاق ومنع الهدر ومكافحة الإرهاب واعتماد الشفافية الكاملة، وأن هذه العواصم تنظر إلى الاجتماعات التي يعقدها وفد صندوق النقد مع المسؤولين اللبنانيين باعتبارها ستكشف عن قدرة وإرادة الحكومة الجديدة على التعامل مع المطالب والمعايير الدولية بالجدية المطلوبة.
ووفق بعض التحليلات لا يكتفي وفد الصندوق الدولي بالاستماع إلى المسؤولين اللبنانيين والاطلاع على التقارير الاقتصادية والمالية التي يقدمونها، بل من أهم مهماته نقل أجواء دولية من شأنها رفع مستوى الضغوط على الطرف اللبناني في شأن الخيارات الواجب اتخاذها.
وتكشف بعض المصادر أن بيروت بلغها أن إفراج العواصم المالية عن الدعم المالي لا يرتبط فقط بما ستتخذه الحكومة من تدابير تقنية، بل إن العالم ينتظر من لبنان تغييرا جذريا في ما يتعلق ببعض الخيارات السياسية، ولاسيما في ملفات متعلقة بترسيم الحدود ومستقبل التنقيب عن الغاز في شواطئه كما في مواقفه من استحقاقات تتعلق بالتحولات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مستقبل سوريا وكذلك تطور الصراع مع إيران.